سؤال ساذج يجب ان يطرحه كل متابع للاتفاق النووي الدولي مع ايران: لماذا يجمع كل المهنئين والمرحبين، من عرب وعجم، وقياديين وطامحين سياسيين، على انه سيوفر الاستقرار للمنطقة؟
فالجميع، من أوباما الى رئيس “المجلس العام الماروني”، ومن وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي الى وزيري الخارجية التركي والعراقي، قالوا العبارة نفسها: الاتفاق سيأتي بالاستقرار إلى المنطقة. حتى ان الرئيس الايراني لمح، يوم الاربعاء الفائت، الى ان أولى ايجابيات الاتفاق ستظهر في اليمن ولبنان.
لكن لماذا يكون الاتفاق النووي بين الدول الكبرى الـ 6 وايران، مدعاة للتفاؤل بهدوء وسلم يحلان على المنطقة؟
الجواب تعطيه الوقائع التي يغضنها المرحبون والمهللون، في تعليقاتهم: ايران هي القوة المخربة من لبنان الى اليمن، وهي الادارة الناظمة لإغراق المنطقة في الفوضى. والمنتظرون هدوء الشرق الاوسط، بعد الاتفاق النووي، يعتقدون ان عودة طهران تحت مظلة الشرعية الدولية، تجعلها تحترم سيادات الدول وحقوق الشعوب في خياراتها، وتاليا استقرارها.
لم تحد طهران عن نهج اثارة الفوضى في المنطقة منذ عودة الخميني اليها، وربما مذ كان في فرنسا، وبعض كثير مما تفعله “داعش” و “النصرة” اليوم، كان جزءاً من أساليبها. لم تفعل ذلك مباشرة، بل بالواسطة، عن طريق تنظيمات شكلتها في كل بلد فيه حيز لخلاف سياسي أو اختلاف مذهبي. كل ذلك تحت راية تحرير القدس حيناً، وتأديب “عملاء اسرائيل”، أحياناً.
ارادت طهران، وكادت تنجح في تحويل الشيعة العرب الى جاليات فارسية في بلدانهم، بإحياء حقد ديني ملتبس منذ أكثر من 1400 سنة، وجعلت من عودة المهدي المنتظر ألعوبة سياسية تبرر، عبر دسّ اعلامي، سفك المزيد من الدماء في “سواراقيا”، وتتيح اقناع الفتيان والبالغين بالمشاركة في القتال، وفق ما يتكشف في بيئة حزب الامين العام في لبنان.
ليس حال العراق اليوم، ببعيد عن هذا المنطق “الديني” المفتعل، الذي يرفده في سوريا شعار سياسي هو “الدفاع عن محور الممانعة”، وهو ما تتظلله أيضا في لبنان. واذ رأت طهران في اليمن والبحرين حقوقا ديموقراطية لشعبيهما، لم ترَ الحقوق نفسها للأهوازيين، والآذريين والأرمن والأكراد، في أراضيها، أي اكثر من نصف سكانها، الممنوعين حتى عن تعلّم لغاتهم الأم، فدعمت الحوثيين، وسعت، وتسعى، إلى احتضان بحرانيين وإلباسهم ثوبها: نجحت في الأولى، بتواطؤ علي عبد الله صالح، وتعثرت في الثانية بالوعي الوطني البحراني.
لكن الإستقرار المرهون بانصياع ايران للشرعية الدولية لا يبدو سهلا وبسيطا. فالإتفاق النووي سيظهًّر الشروخ في بنية النظام، لا سيما مع تسريب البنود في الملاحق العلنية والسرية.
ومن الآن إلى أن يصبح ناجزا، أميركيا، ستجري مياه كثيرة تحت الجسور، واستعراض عضلات سياسية، وغير سياسية، على امتداد ساحة “التخريب”.