يأتي عيد الأضحى، ذكرى تقديم إبرهيم النبي ابنه ذبيحة، ليضعنا، ككل عام، أمام البحث عن رمزية هذا الحدث. ونحن لن نخوض، هنا، في مسألة تاريخية الحدث، أو في مسألة التحقق من هوية الطفل (إسحق وفق الرواية التوراتية، أم إسماعيل وفق التراث الإسلامي) الذي كان إبرهيم مزمعاً أن يذبحه تقدمة لله. ما يعنينا هنا إنما هو الجواب عن التساؤل: ماذا يعني لنا هذا الحدث اليوم؟
قبل إبرهيم الذي يقدّر الباحثون الدينيون أنه عاش في القرن الرابع عشر قبل المسيح، كانت بعض المجتمعات الشرقية، كما العديد من المجتمعات في العالم كافة، تمارس الذبائح البشرية في عباداتها. فأتت الرواية التوراتية عن “الطفل الذبيح” واستبداله بالكبش كي تضع، بأمر إلهي، حدّاً للذبائح البشرية والاستعاضة عنها بالذبائح الحيوانية. قصة إبرهيم وابنه، إذاً، وبصرف النظر عن صحة تاريخية الحدث أو عدمها، قصة ذات أهداف تعليمية واضحة، أهمها إبطال الذبائح البشرية واعتبارها جريمة ضدّ الله والإنسان معاً.
في قصة إبرهيم وابنه نجد أيضاً دعوةً إلى أن يكفّ الآباء عن قتل أبنائهم ليس فقط بالمعنى الجسدي، بل أيضاً بالمعنى الرمزي. ففي مجتمعاتنا ما زال الآباء يقدمون على قتل أبنائهم عبر توريثهم العبودية عوضاً عن تربيتهم على الحرّية والإبداع. فالآباء ينشّئون أبناءهم على العادات الدينية غير الأصيلة، والتقاليد الاجتماعية البالية، والطائفية، والمذهبية، والتعصّب الأعمى.
كما نجد في قصة إبرهيم دعوة إلى أن يكفّ الآباء عن ذبح أبنائهم إذ يتسلّطون عليهم ويقررون مصائرهم. أما في الواقع، فيستمر الآباء في قتل أبنائهم عبر هذا الإرث المليء بالحقد والضغينة والكراهية ورفض الآخر وعدم احترام الغير….
شاءت قصة إبرهيم أن ترينا أن الله يدعو الناس كافة إلى التحرّر من كل ما هو قبيح في التاريخ الديني والاجتماعي، ولا سيما القتل. غير أن بعضهم ما زال ينشّئ، باسم الله تعالى، أفواجاً من المتطرفين والمتعصبين والقتلة والمجرمين والسفاحين. يضاف إلى ذلك فشل المؤسسات الدينية في تربية أجيال حرّة قادرة على الانفتاح ومواجهة تحديات العصر. هذه المؤسسات فشلت لأنها جعلت أبناءها في غربة عن العقل، هذا العقل الذي ينبغي أن يجتهد دائماً ويستنبط ما يناسب كل جيل من الأجيال، وذلك لاعتبارهم أن إرثهم، في غثّه وسمينه، يكفيهم.
لا غرو، إذاً، من أن نشهد العودة إلى بربرية الذبح والقتل العبثي. فالذباحون، وبلا ريب، هم نتاج مجتمعاتنا المشحونة بالتعصب والكراهية والحقد والثأر، نتاج الانصياع للغرائز والأهواء والشهوات، نتاج التخلّف الديني والمذهبي الذي أبعدنا عن أثقل ما دعانا إليه الله، عن الرحمة.
مع إبرهيم القديم، إبرهيم خليل الله، الذي أصغى إلى صوت الله، بطلت الذبائح البشرية. مع إبرهيم الجديد، إبرهيم البدري، المشهور بـ”أبي بكر البغدادي”، الذي بالتأكيد لا يصغي إلى صوت الله، ومع أمثاله ممّن يبررون أفعاله، عادت بهيمية الذبح، ذبح مَن قال الله عنهم: “ولقد كرّمنا بني آدم”.
فنرجو في العيد المقبل بعد ثلاثة أيام أن يعود للأضحى معناه الأصلي، وللإنسان كرامته.