IMLebanon

في صدّام والأسد

لم تعد تفاجئ أحداً ادعاءات رئيس سوريا السابق بشار الأسد في أي شأن ذي صلة بنكبة السوريين، بل هي في الواقع ضمرت مثل كل شيء آخر في سلطته، وما عادت تستدعي حتى ملاحقة المفارقات فيها، ولا اعتبارها تأكيداً متتالياً، عن مدى غربته عن هذه الدنيا وطبائع البشر في الإجمال!

لكن اللافت في موازاة ذلك، هو أن سيرة بعض المواقع السياسية والإعلامية الغربية في التعاطي معه تكاد أن تتطابق مع تلك التي اعتمدت مع صدام حسين في الفترة الفاصلة بين إخراجه مدحوراً مكسوراً من الكويت في العام واحد وتسعين من القرن الماضي وإخراجه من السلطة في حرب «أم الحواسم» في العام 2003.

لم يشأ جورج بوش الأب ملاحقة صدام إلى بغداد بعد إخراجه من الكويت.. بل «رأى» شيئاً استراتيجياً آخر مختلفاً عن كل المناخ الدولي والعربي الذي ساد يومها: اعتبر أن سقوط حكم السلالة البعثية الصدامية سيعني فتح العراق أمام إيران! وهذا أمر كان يومها كارثياً على المنطقة عموماً. عدا عن أن شروط ضرب البنيان العراقي برمته، دولة ومؤسسات واجتماعاً واقتصاداً وثروات بما يضمن انكساراً طويل المدى وشطباً لهذا الكيان العربي الخطير من المعادلة العامة جغرافياً وسياسياً، لم تكن قد اكتملت بعد!

لعب صدام الدور كاملاً: بقي متمسكاً بسلطته حتى اللحظة الأخيرة فيما كان العراق يتفتت وينهار وينكسر على كل المستويات، ويتحول إلى شبه دولة لا دور لمؤسساتها (ولا وجود!) سوى لذلك المتصل بالأمن وحماية النظام! وعندما استوى كوز التين جاء جورج بوش الابن وقطف الثمرة ثم يبّس الحقل العراقي ونشّفه تماماً قبل أن تستلمه إيران وتكمل على ما تبقى!

يتذكر الكثيرون، قبل السقوط الأخير، أن زوّار صدام الأجانب كانوا في غالبيتهم من النوع الذي يزور بشار الأسد هذه الأيام! وكانت النظريات التي تُرمى في الإعلام الغربي في شأن أفضلية بقاء صدام مقارنة بسيطرة إيران مع حلفائها على العراق، شبيهة شكلاً بالنظريات التي تُرمى اليوم وتضع بشار في موقع الأفضلية على «الإرهاب»!

وفي الحالتين تورية وتشويه، والأميركيون أسياد هذه اللعبة: لم تكن إيران قادرة على مدّ نفوذها في العراق لو لم «يرغب» الأميركيون في ذلك! ولم تكن جماعات الإرهاب الداعشي وغيره راهناً في سوريا قادرة على تأكيد حضورها وأدوارها لو لم يتصرف الأميركيون بالطريقة التي تصرفوا بها على مدى السنوات الخمس الماضيات..

وواقع الحال يقول، إن شمّاعة الإرهاب لم تعد تحمل كل الأثواب الوسخة التي تُرمى عليها لتبرير بقاء الأسد في موقعه، وإن كان من دون أي قدرات أساسية تُذكر بل الواضح هو أن رئيس سوريا السابق لم يستكمل بعد كل «وظائفه» في تدمير البنيان السوري وإلحاقه بمثيله العراقي.. والفارق بينه وبين صدام، هو ذاته الفارق بين واشنطن وموسكو. فهذه الأخيرة قصيرة النَفَس ولا تحتمل المماطلة كثيراً ولا قدرة لديها على الانتظار المكلِف مثلما تفعل واشنطن، عدا عن أنها غير معنية بنضوج كوز التين أو عدم نضوجه! فهي أحرقت الحقل من أساسه وجالسة فوق الرماد، تنتظر آخر الميعاد! ولن يطول الانتظار.