مهما غاب الانسان عن متابعة الأحداث في لبنان، لا يجد عند عودته سوى المزيد من الازمات التي تتناسل من ازمات موجودة منذ سنوات، ومهما فتّش لا يجد بصيص نور للتفاؤل بامكان التوصّل الى بداية حلّ لأزمة من هذه الازمات.
عودة النفايات الى شوارع واحياء وساحات قضاءي كسروان والمتن، وانهيار طاولة الحوار الوطني، كانا نجمي الساحة السياسية مؤخراً، وسال الكثير من الحبر، وبحّت الأصوات، تعليقاً على هذين «الحدثين» اللذين يتوقف عليهما مستقبل لبنان، وكأنه تم انتخاب رئيس للجمهورية، وجرت انتخابات نيابية حرّة ونزيهة وفق قانون انتخاب عصري ومتوازن، وتشكلت حكومة جديدة، وفتح مجلس النواب ابوابه للمحاسبة والتشريع، ولم يبقَ للمعالجة سوى نفايات كسروان والمتن، والاطاحة «بالقرارات التاريخية» التي توصّل اليها المتحاورون في عين التينة.
حزب الكتائب اخطأ التقدير والتصرّف عندما اقفل ابواب مكبّ برج حمود، بمساعدة ضمنية من حزب الطاشناق، ظنّاً منه ربما ان الحكومة مهتمة بصحّة الناس في هذين القضاءين، ولن تترك «الزبالة» تتراكم في منطقتين تعتبران من مناطق «وجه الصحّارة» سياحياً واصطيافاً وكثافة سكانية وقوة انتاجية، وفات حزب الكتائب ان الحكومة عاشت سنة كاملة على النفايات المحيطة بها وعلى أبواب وزاراتها، والمنتشرة في جميع اقضية لبنان وفي العاصمة بيروت، ولم يرفّ لها جفن، وكان عليه الاّ يحمّل اللبنانيين فوق ما تحمّلوا، ويفتح فروعاً لمكبّ برج حمود في كل مدينة وبلدة وقرية، ويزيد الازمة تعقيداً، بحيث تضطر البلديات الآن للتفتيش عن اراضٍ لتحوّلها الى مطامر، لا احد يعرف متى يأتي دورها للترحيل الى المكبّات، هذا اذا أتى هذا الدور.
امّا بالنسبة الى طاولة الحوار التي علّقها رئيس مجلس النواب نبيه برّي و«حرم» اللبنانيين من منافعها العديدة المتنوّعة، و«انجازاتها» الكبيرة منذ اول طاولة للحوار في العام 2006، حيث ساعد العدد المحدود للمتحاورين في أخذ مقررات كان يمكن ان تغيّر وجه لبنان، لو حسنت النيّات، وتم تطبيقها، لكنها ذهبت مع الريح، مثلما ذهب اعلان بعبدا الذي وضع خطة انقاذ حقيقي للمشاكل التي يتخبّط بها اللبنانيون، ومن غير المفهوم لماذا اعتبر الرئيس برّي ان توسيع «بيكار» الطاولة الحوارية سوف يؤدي الى نتيجة ايجابية، الاّ اذا كانت النيّة اصابة عصفورين بحجر واحد، تطفيش التيار الوطني الحر، ودفع حزب القوات اللبنانية الى المقاطعة، وعدم المشاركة بوجود هذا العدد الكبير من الذين أشركهم برّي، وهم لا يقدّموا او يؤخّروا في اي قرار يتخذ.
* * * *
كيف هي الأوضاع اليوم بعد تعليق جلسات الحوار؟! لا أمل بعقد جلسات لمجلس الوزراء في خلال شهر ايلول، الاّ اذا سجّل اختراق ما على جبهة العلاقة بين التيار الوطني وحزب الله، علماً بأن الاتصالات مكثفة بين الطرفين، بعد اعلان التيار ان هناك محطتين يتعلق عليهما مصير البقاء في الدولة، او اللجوء الى الشارع، 28 ايلول الجاري موعد انتخاب رئيس للجمهورية، و13 تشرين اول ذكرى اسقاط حكومة العماد ميشال عون، بما يعني ان التيار الوطني الحر لغّم الجسور بينه وبين تيار المستقبل وحزب الله وحكومة الطائف، ولكنه لن ينسفها قبل 13تشرين الاول، ومن اليوم حتى ذلك التاريخ… شدّوا الأحزمة.