شرم برم والناس غافلة
والغفلة عالأفهام قافلة
والكذب لعلع في الحفلة
وأغلب السامر مساطيل”
أحمد فؤاد نجم
من كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي للدكتور علي شريعتي، الملهم الأكبر للثورة في إيران على الشاه، وكان قد اغتيل بظروف غامضة قبل سنتين من عودة الخميني إلى إيران. كان لفكر شريعتي مكانة كبيرة بين الشباب والمثقفين في إيران في أواخر الستينات والسبعينات من القرن العشرين، إلى أن طمست معالم فكره مجموعة الملالي التي حكمت إيران تحت شعار ولاية الفقيه.
طرح شريعتي وجهة نظره في ما يسميه التشيع الصفوي ووصفه بالآتي: “كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها أن يعملوا كل ما من شأنه التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي، ولتبدو الوطنية والقومية الإيرانية بوشاح ديني أخضر، وفي هذا الصدد أعلن بين عشية وضحاها أن الصفويين أحفاد الشيخ صفيّ الأردبيلي بأنهم سادةٌ من حيث النسب، أي أحفاد للنبي محمد! وتحول المذهب الصفوي فجأة إلى المذهب الشيعي، وصار الفقيه والمحدث بدائل عن المرشد والبديل، وتلبس الصفويون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت… وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية، وبعث القومية الإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع .
في ضوء ذلك يمكن أن نفهم سر تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف إلى نقاط خلاف أو يفرغها عن قدرتها على أن تكون أرضية صلبة لموقف مشترك بين الفريقين… وكنتيجة لهذا الفصل المذهبي حصل فصل اجتماعي وثقافي تبعه فصل على الصعيدين القومي والسياسي وبشكل بارز جداً.
لقد حرصت الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين.
لا يمكن بعد سماع حديث حسن نصرالله الأخير في ختام أيام عاشوراء إلا ربط كلامه بالإرث الصفوي الطويل الذي حول التشيع إلى دين قومي سنة 1502 لمواجهة السلطنة العثمانية التي كانت منشغلة بتوسيع ملكها في الداخل الأوروبي في القرن السادس عشر، أيام سليمان القانوني، فأتت الصفوية لإشغالها في الشرق. وكان شريعتي قد أكد في كتاباته بأن الحلف بين الغرب والصفويين كان واضح المعالم على مختلف المستويات السياسية والعسكرية وحتى الثقافية الدينية. ويؤكد أن الكثير من مظاهر التراتبية عند رجال الدين والشعائر استوردت مباشرة من الحلفاء الأوروبيين.
لكن ما كان مفاجئاً في كلام نصرالله حول كونه يد الخامنئي وامتداده، هو بالفعل ما تم التسطيح عليه من قبل البعض الساعين لغطاء حزب الله للوصول إلى السلطة، والبعض أكد، على عبط، أن حزب الله تطورت عقيدته مع الوقت وأصبح أكثر لبنانية وأقل إيرانية! لكن الواقع هو أن حزب الله العقيدة والوظيفة والمهمة لم يتغير أبداً. لم يتغير البيان التأسيسي الأول سنة 1985 الذي أعلن: “نحن أمة حزب الله الذي نصرالله طليعتها في إيران” وأن التبعية المطلقة هي لوكيل صاحب الزمان “جامع الشرائط”. وعندما سئل إبراهيم أمين السيد عن إيران قال: “نحن لبنان في إيران ونحن إيران في لبنان”، وفي خطاب منتشر على وسائل التواصل الإجتماعي لحسن نصرالله الشاب يؤكد فيه وجوب أن يكون لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية التي يرأسها الولي الفقيه. يومها وصف نصرالله حكومة العماد ميشال عون بالحالة الإسرائيلية في المنطقة الشرقية! ولم يقرأ حلفاء حزب الله المتملقون كتاب نعيم قاسم الذي أكد فيه أن سياسات حزب الله واستراتيجياته يرسمها الولي الفقيه ويترك للقيادة المحلية كيفية تنفيذ السياسات الفقهية والإجتماعية والسياسية والعسكرية. كما أكد على أن أي عمل جهادي، كمواجهة إسرائيل أو القيام بعملية ما ضدها لا يجب أن يكون من دون فتوى شرعية!
حزب الله ثابت، أما المتحولون فهم من يحلمون بركب ركابه والإستقواء به إلى حين تحقيق أهدافهم، ومن ثم يحل معضلة الحزب ألف حلال! لكن ما أكده نصرالله هو أن لبنان وسكانه وبشره، أكانوا حلفاء أم أخصاماً، سيكونون طعاماً للنار “التي ستحرق المنطقة بأكملها إن هوجمت إيران”، ولن يشفع للحليف كونه حليفاً بأن يتجنب المحرقة.
منذ مدة سمعت بدعة من بعض الأصحاب المسيحيين، في محاولة بائسة لفهم ولاية الفقيه، يشبهونه بمرجعية البابا الروحية عند الكاثوليك! وبالطبع فإن هؤلاء الأصدقاء كانوا فقط يرددون ما سمعوه من أحدهم، أو ربما في اجتهاد لتسويغ التحالف مع الحزب ضد آخرين. قد يكون في هذا الكلام بعض الصحة، ولكن مرجعية الولي الفقيه اليوم تشبه مرجعية البابوات الذين أطلقوا الحروب الصليبية في القرون الوسطى. وهذا بالضبط ما أكده وزاد عليه نصرالله في خطابه الأخير.
تصوروا لو أن البابا فرنسيس الذي أحترم وأجل، قرر اليوم أن يحول الرهبانيات الكاثوليكية في العالم إلى ميليشيا مسلحة، كما يفعل اليوم الولي الفقيه!