IMLebanon

الاطمئنان إلى الشغور المزمن ليس مطمئناً

المدهش حقاً في العام ونصف العام على الشغور الرئاسي هو هذه الطمأنينة التي تتلبس أشكالاً عدة والتي تتعامل مع سدّة الرئاسة الشاغرة كما لو كانت محفوظة بالأمانات، أي تتعامل مع الشغور نفسه كما لو أنه لن يكون ناخباً رئاسياً بأي شكل كان، وكما لو أن إنهاء الشغور يمكن أن يعود فيستأنف التاريخ الرئاسي للبنان من حيث توقف.

هذا الاطمئنان له وجوه مختلفة. فمن جهة، يظهر بين الفينة والفينة من يستنتج من الشغور المزمن أنه، وبما أن البلد لم يفرط بغياب الرئاسة كل هذه الفترة فمعنى ذلك أن الرئاسة غير ضرورية، وهناك من ينطلق من الفكرة نفسها ليرى بالأحرى أن تقوية صلاحياتها هو ضروري. 

من جهة المسيحيين، ثمة قلق طبعاً كلما استدام الشغور. في الوقت نفسه، ثمة اطمئنان بأن كرسي الرئاسة محفوظ، بأنّه «يُعتّق». وهناك من يشطح بشكل إرادي أو ضمني للتفكير بأنّه كلما استبقي الشغور كلما زادت حظوظ الاتيان برئاسة منقذة، خلاصية، قوية مسيحياً. 

لا شك ان الطمأنينة في هذا المجال تبقى أفضل من نوبات الذعر والهلع والتهويل. لكنها بحد ذاتها غير مطمئنة، لأنها تساهم في مد الشغور بمبرّرات سياسية ونفسية لاستدامته، وللإيحاء بأنه ليس شغوراً، بل مزاد علني سيكلل بتحقيق الثمن الأفضل. أو أنه إذا كانت الطمأنينة مصدرها الاقتناع بأن الملف الرئاسي معلّق الى حين الانفراج الإقليمي والدولي، يصبح انتظار هذا الانفراج بعيد كل قرار دولي، وكل وقف إطلاق نار في اليمن، ومحادثة بين وزيري خارجية أميركا وروسيا، من نوع الانتظارات المقلقة. فرضاً أن الأقوياء في عالم اليوم والمنطقة هم الذين أجلوا الموضوع الرئاسي اللبناني إلى حين اتفاقهم عليه، وأنهم قرروا أن لا ينفجر الوضع اللبناني في الوقت نفسه، فهل من يراهن بعد ذلك على انهم لن ينسوا الرئاسة اللبنانية؟ هل يطمئن الذين يبالغون في اختزال الملف إلى انتظار لحظة الانفراج الاقليمي والدولي إلى أن العالم لا ينام من دون رئيس في قصر بعبدا؟ 

الشغور ينبغي أن لا يطمئن. الاطمئنان إلى الشغور حري أكثر من ذلك بالتوجس. ليس هناك مقام يوضع في الأمانات ويعود كما هو، هكذا، من دون مراجعة أو تنقيح أو تعديل في شروط اللعب. هناك ثمن للشغور ندفعه من خلال امتداد الشغور، لكنْ هناك ثمنٌ للشغور علينا أن ندفعه أيضاً إذا أردنا وضع حد له. إن عدم التنبه إلى هذا سيضاعف الثمن الأخير. 

لا يعني ذلك أن مداواة الاطمئنان المقلق للشغور تكون بالتهويل، وباعتماد قاعدة «سدّ الشغور» بأي شرط كان. لأن المشكلة هي في فصل الشغور الرئاسي عما اتصل به: الشغور على صعيد قانون الانتخاب.

الاطمئان إلى أن الشغور «غيمة صيف وتنجلي» ولو بعد سنتين، يخفي مشكلة عويصة أكثر من الشغور الرئاسي نفسه. فالكل يتحدث عن قانون انتخاب يريده عصرياً وتمثيلياً إلخ، لكن البلد مفترق حقيقة على صعيد قانون الانتخاب، واللافت أن لا أحد من المعلقين والمراقبين يرد مشكلة قانون الانتخاب إلى توافق إقليمي أو دولي أو إلى غيابه، شأن ما هو حاصل في قصة الرئاسة. 

من دون إعادة وصل موضوع الرئاسة بموضوع قانون الانتخاب لا يمكن التفاؤل كثيراً في وضع حد للشغور، على هذا الصعيد أو ذاك، يصبح كل شغور يعزّز الآخر. 

المنطق الذي «يعتّق الرئاسة» حتى يصل الأفضل هو منطق مغامر. رئيس لست سنوات لا يفترض به أن يكون «الأفضل على الإطلاق». يفترض به أن يكون الأنسب في وقت محدد ولوقت محدد وعلى أساس مروحة تفاهمات بشرط أن تتظهر بالحد الأدنى من الوضوح كي يقلّع العهد العتيد بشكل جيد. 

يبقى أن قانون الانتخاب هو المشكلة المركزية، والشغور الرئاسي هو الفرع.