ليست الهجرة حدثاً في حياة العائلات اللبنانية، فتاريخ الهجرة هو تاريخ لبنان، منذ كان: بلد أصغر من طموحات أبنائه، يكبر بها باستمرار.
لكن، ولا مرة كانت الهجرة تسللا، وتهريبا. كانت، باستمرار علنية وعبر الحدود الشرعية. لكن، وأيضا، عائلة صفوان ليست الأولى التي تهرب من “الجمود” الوطني الى أجنحة البحار. فالكلام على لبنانيين يمزقون جوازات سفرهم عند حدود أوروبا، طلبا للجوء، لم يعد مجرد اشاعة، وظل موضع تساؤل عن مدى حقيقته، الى ان استشهدت عائلة صفوان.
ماذا يقول استشهاد ثمانية أفراد من عائلة واحدة بهذه الطريقة؟
يقول إنها يئست من فرج قريب لأزمة اقتصادية تخنق البلد، ومن مستقبل تسود قتامته الأفق. هذه لم تبدأ اليوم، لكنها باتت أشد إيلاما، وأضيق منفذا. كانت الهجرة قبلها طموحاً، فباتت مهرباً. كانت قرارا، فصارت منجاة.
هل من يسأل المسؤولين عما وصلت اليه الحال الاقتصادية؟ وهل يهتم من أدخل البلاد في جمود المؤسسات وخلخلة بنية الدولة، عن دوره في كل ذلك؟
ما يقوله مصير عائلة صفوان، إن من ادخل لبنان في الحرب السورية، أدخل ترددات هذه الحرب على لبنان، وساوى اللبنانيين مع السوريين في ضيق العيش ومتاهة الفقر. ان يغامر رب العائلة، وحده، بركوب البحر، من أجل حياة أفضل، أمر قد يكون مقبولا، لكن ان يصطحب عائلته ويمزق اقرار الدولة بلبنانيته فذلك ترجمة ليأس بائن لا رجعة عنه. ولو كانت الدولة لما تزل دولة لتبنينا السؤال: “وينيي الدولة؟” لكن من أراد ان يرثها وهي على قيد الحياة، مطلوب منه ان يرد على السؤال: ماذا فعَلتَ بالدولة؟ ماذا صنعت للبنانيين؟
عائلة صفوان انتحرت في البحر بعدما نُحِر عيشها في الوطن.
ليس الكلام على تدمير حزب الأمين العام بنية الدولة، واحياء امراض الانقسام الوطني، وتغذية الطائفية والمذهبية، من باب إدمان تشويه دوره في الداخل. فهذه، بوضوح، من معابر اليأس الى نفوس اللبنانيين. ومن حق هؤلاء ان يسألوا الحزب المهيمن، عما قدمه لبناء الدولة منذ اندحر الاحتلال الاسرائيلي، بفضل كل لبناني، حتى من اكتفى بارادة ذلك في قلبه.
صار اسم هذا الحزب صنو التهريب عبر المرفأ والمطار، وربيب تصنيع الكبتاغون وتصديره، ووضع اليد على الأملاك العامة والخاصة، ولا سيما المشاعات، وتغذية الاعتداء على حقوق الدولة، وكسر هيبتها وسلطتها، وضرب مواردها، ولا سيما السياحية. هل نسي أحد تهديد أهل الخليج، وخطف أبنائهم؟ في المقابل هل تدفقت السياحة الايرانية على لبنان، بدل السلاح المتفرغ للداخل اللبناني ولقتل الشعب السوري؟ وهل يقتنع أحد ببراءته من تعطيل الحياة العامة، من الرئاسة إلى أصغر دائرة؟ أم أن الخيار هو بين الموت قتلا في سوريا أو غرقا في البحر؟