IMLebanon

سعيد عقل إنْ رحَل

كنتَ الثقافةَ تَسْتَهدي بكَ الأُممُ علَّمتهم… جَهِلوا، سَفُّوا بما علِموا

العقلُ كانَ كما الأقلامُ في وهَنٍ واليومَ بعدكَ غابَ العقلُ والقلمُ

ج. هـ.

هو آخر العنقود من تلك الدوالي المعتّقة التي خمَّرت الفكر والشعر، وانتشَتْ بهما عروسة الجمال سكرى.

من جبران خليل جبران، الى مخايل نعيمة، أمين نخله، خليل مطران، الأخطل الصغير، ناصيف وابراهيم اليازجي، بطرس وسليمان ووديع وفؤاد افرام البستاني، جرجي زيدان، أحمد فارس الشدياق، فوزي ودوحة المعالفة، أمين الريحاني، الياس أبو شبكة، إيليا أبو ماضي، صلاح لبكي، يوسف غصوب، عمر فاخوري، مي زياده، بولس سلامة، مارون عبود كمال يوسف الحاج، رينيه حبشي، جواد بولس، الى الروابط القلمية والصحافية فـي الوطن والمغتربات… والسلسلة طويلة مجليَّةً منذ العمق الفينيقي.

أُعدِّدهم… وقد تعمّدت تسميتهم كأنُموذج للأجيال الطالعة، لعلّ اللبنانيين يتذكرون من كانوا، ومن أصبحوا… ومن هم أباؤهم… وجئني بمثلهم.

أُعددهم مع رحيل سعيد عقل، لأنه كان هو يختصرهم جميعاً، وأخشى أن يكون برحيله قد رحلوا جميعاً من الذاكرة كما من المكتبات.

لبنان من دون هذا التراث هو جزيرة مقفرة في بحر، أو هو غابة أرزية تتناغم مع الفضاء، وأبرز طموحها أن يتساقط عليها الثلج.

ومن دون استمرار هذا التراث بالخَلَف، يظلّ لبنان مع سعيد عقل قيمة تاريخية رمزية، وصخرة طارت بها الكتب معلّقة بالنجم، ولكن ليس بينها وبين الأرض أيُّ قوس قُذَح يتألق بالألوان.

أهميّة عظمة سعيد عقل الأدبية والشعرية والفلسفية والتاريخية والعلمية واللاّهوتية والخطابية… أنّه جنّدها جميعاً في خدمة لبنان، ولبْنَنَةِ العالم وعمْلَقةِ الإنسان.

هذا اللبنان أنشودة مزامير التاريخ، والمرتقي على هامات الميامين من رجالاته الى مشارف الكواكب العليا، هالَ سعيد عقل أن يتقهقر به المتخلفون، والمشركون بالولاء، الى وطنٍ مزيّف، يتقزّم متهاوياً عن صهوات القمم الى غياهب الصحراء.

والإنسان الذي تغنّى به سعيد عقل هو قيمة سماوية يحقّق ذاته الكلّية بالتكامل مع صورة الله، هكذا يقول المسيح: كونوا كاملين كما هو أبوكم الذي في السماوات.

ولأن إنسان سعيد عقل، هو أيضاً إلهٌ صغير عند أرسطو، وهو يحاكي الله عند أفلاطون، وهو الذي يتّحد بالخالق حسب الصوفية الإسلامية.

فإن سعيد عقل أراد الإنسان أيضاً زميلاً لله في الخلق، ولا سيما خلق الجمال، لأن القداسة والجمال عنده هما كلٌّ مشترك، مثلما أن الخطيئة والبشاعة هما كلّ واحد.

سعيد عقل هو صوت لبنان التاريخي.

هو حارس الهيكل المقدس بحدِّ قلمه ولسانه.

هو المدعي العام الساهر على سلامة لبنان وشموخه، يزمجر ضارياً كلما رُشـق بحجر أو تعرّض لخطر.

سعيد عقل:

ما همّ… ما يقوله الجاحدون بالفضل والمارقون.

ما همّ إنْ أنت غنيّت مكّة، فهجاكَ منْ همْ بالهجاء أَوْلى لأنهم المعتدون.

ألست أنت صورة أبيك الذي في السماوات وقد قلت لسائلك:

«لسائلي: أَإِلـهٌ أنتَ…؟ قلتُ بلى…»

فاسرح إذاً في سماواتك مجللاً بالمجد وقد وشّحْتَ الدنيا بذخائر العقل.

ودعِ الأنبياء الكذبة يضلّون ويجدّفون.