Site icon IMLebanon

شاعرٌ وقنديلٌ وقصر

 

هل يخطر على البال سؤال… ونحن نتطلّع إلى المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني…؟

 

لَـوْ أنّ الشاعر سعيد عقل صاحب شعار: «يا شعب لبنان العظيم»، لا يزال على قيْـدِ الحياة، وشعب لبنان العظيم أصبح على قيـدِ الموت، أيَّ قصيدة كان ينظم سعيد عقل اليوم…؟

 

قصيدةَ هجاءٍ أو قصيدةَ رثاء…؟

 

قصيدةَ المتنبـيّ في «كافور» الحاكم بالوصاية على مصر…؟

 

أو قصيدةَ أحمد شوقي في دولة : الأسد والثعلب والحمار..؟

 

هذا الشاعر المجنون بلبنان: لبنان السيّد الملك المالك الواحد الذي لا شريك لـه… لبنان الصخرة المرتفعة في الفضاء الأعلى إلى حيث تُجاور حدود الله.

 

هذا المجنون اللبناني، رأيناه ذات يوم يتشبّه بالفيلسوف اليوناني «ديوجين» فحمَل قنديلاً في واضِحةِ النهار وراح يفتّش عن رجل يُنقـذُ شعب لبنان العظيم ، فاهتدى إلى قصر بعبدا.

 

يومها، زحفَتْ قوافل الرجال إلى القصر الجمهوري الذي تحوّل إلى سرايا حكومية، وخلعتِ النساء الأساور، وحطّم الأطفال القُجـج، دعماً للجنرال الذي يحطّـم الرؤوس من أجل لبنان العظيم وشعب لبنان العظيم.

 

وسعيد عقل الذي حمل الشعار على ضوء قنديل إلى الجنرال، كان يرفض الوصاية السورية، وأيّ وصاية على لبنان، حتى ولو كانت هابطة عليه من السماء، وسوريا بالنسبة إليه سوريتان: سوريا النضال المشترك منذ أن كانت الحركة النهضوية اللبنانية – السورية ترفع لواء التحرر القومي «والرابطة القلمية» التي كان روّادها، من اللبنانيين: جبران خليل جبران، مخايل نعيمه، وإيليا أبو ماضي، ومن السوريين عبد المسيح حداد، نسيب عريضة وندرة حداد.

 

وفي هذه السوريا يقول سعيد عقل:

 

حملْتُ بيروتَ في صوتي وفي نغَمي وحمَّلَتْـني دمشقُ السيفَ في قلمي.

 

مِـنْ هاهنا نسماتُ المجـدِ لافِتَـةٌ ومِـنْ هنالِكَ راياتٌ على القِـمَمِ.

 

أما الوصاية مهما كانت مبرراتها على لبنان التاريخي والفينيقي ولبنان قدموس، فهي عند سعيد عقل: رِجْسٌ من عمل الشيطان فاجتنبـوه.

 

أذكر أنّ الرئيس حافظ الأسد قال لي في أحد لقاءاتي معه: ماذا يريد سعيد عقل، نحن أيضاً عندنا تاريخ فينيقي، وجزيرة فينيقية إسمها إرواد.

 

هذا السعيد الذكر والعقل لو أنه لا يزال حيّـاً لكان موقفه من الرئيس ميشال عون في تحالفاته، مشابهاً لموقفه من الرئيس الياس الهراوي، وقد رفض الإشتراك في مهرجان تكريمي للأديب والشاعر الكبير أمين نخله لأنّه كان برعاية الرئيس الهراوي، وكان في برنامج الإحتفال كلمة لوزيرة الثقافة السورية نجاح العطار.

 

وإذا شئنا أنْ ندرس عميقاً طبيعة القاعدة الحزبية والشعبية للتيار العوني، نرى أنها انطلقت مـماّ كان يؤْمن بـه سعيد عقل، وهي في معتقداتها الوطنية وتربيتها وثقافتها وآدابها شديدة الولَع بلبنانية الكيان والحرية والسيادة والإستقلال، في معزل عن أيِّ تدخّل خارجي، وعن أيّ هـوىً إقليمي وارتباط سياسي، من داخل الحدود إلى الخارج، ومن خارج الحدود إلى الداخل.

 

والقاعدة الحزبية للتيار الوطني الحـرّ، لا تختلف أحاسيسها اللبنانية في المطلق عمّا يخالج القاعدة الحزبية للقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، فهي تكوَّنتْ مولودةً من الرَحِم الوطني نفسه.

 

ونشهد للتيار العوني بأنّه استطاع في مراحل نشوئهِ أن يطبِّع قاعدته بما يخالف طبْعَها، فيما إخالها اليوم تتبـرّم بين ما تـؤمن به من معتقد متأصّل في النفوس، وما تراه في الممارسة والمسلك والنهج.

 

في مسيرة الصعود والنزول، يصعد شعب ووطن ، وينزل وطـنٌ وشعب.

 

وفي الصعود، تصعد أنت بمؤازرة الآخرين وفي النزول تسقط وحدك.

 

ونحن نتدحرج في سلم السقوط المريـع، حيث أشباه الرجال ولا رجال، وشبْهُ وطـن ولا وطـن، ليس علينا، إلاّ أن نحمل من جديد ، قنديل الفيلسوف اليوناني «ديوجين» والشاعر اللبناني سعيد عقل لنفتّـش عن رجل.