عندما استضافت فرنسا مؤتمر سان كلو 1، أفصح ممثلو «حزب الله» عن بعض ما كتموه لعشرات السنين. الإفصاح تناول تعديل النظام، وتغيير التوازنات والمواقع، بما يتناسب مع حلم تصحيح الغبن التاريخي، الذي تشعر شرائح شيعية تدور في فلك الثنائي، بأنّ الطائف قد ألحقه بطائفة بكاملها.
منذ سان كلو 1، بل منذ ما قبله بكثير، وعند اللحظات الأولى لتوقيع الطائف، تعاملت معه القوى التي تشكل الأغلبية في الطائفة الشيعية، على أنّه الاتفاق المفروض والمجحف، والذي لا بد من الالتفاف عليه، وبناء على ذلك بدأت رحلة الالتفاف الطويلة، التي نامت كل فترة الوصاية السورية، لتستفيق بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، على شكل مطالب ميثاقية في تشكيل الحكومات، وأنتج كل ذلك، تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، وفرض تشكيل حكومات الثلث المعطل، أي حكومات السابع من أيار، ولا يزال هذا المسلسل مستمراً، بعدما تدرّج في العام 2016 على شكل هيمنة على موقع رئاسة الجمهورية، الذي أضيف الى الهيمنة على تشكيل الحكومات.
لقد قال الثنائي، وقال «حزب الله» على وجه التحديد، إنّه غير معترف باتفاق الطائف كما هو، ولم يجرؤ علناً على طلب تعديله كدستور، فقام بتعديله بقوة القمصان السود، وفرض أعرافاً خارجة عن الدستور، وعطّل تشكيل الحكومة مرات ومرات، وعطل انتخاب رئيس الجمهورية، كل ذلك كي يصل إلى نسف اتفاق الطائف، ويبدو أنّ هذه الرحلة اقتربت من نهاياتها، بعدما تمكّن «الحزب» من إنهاك الطائف، وتحويله إلى جثة تنازع تمسكاً بالحياة.
وكما بات معروفاً، فقد بات الجو الدولي والعربي مقتنعاً بأنّ الأزمة في لبنان، يجب أن يبدأ الحل فيها من مدخل البحث بتعديل النظام. لقد تمنى الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان، على البطريرك بشارة الراعي، رعاية حوار وطني، فرفض الراعي، لأنه لا يريد أن تلعب الكنيسة دور الغطاء لتعديل الطائف، ولخسارة الصلاحيات والمواقع.
الى جانب هذه الدعوة، لم يعد سراً أيضاً أنّ اتصالات بين دول مجموعة الخمس، تجري لترتيب هذا الحوار خارج لبنان، بما يشبه المسار الذي يمكن أن يتجاوز سان كلو 2، وهذا يعني أنّ الحوار هذه المرة سيتناول تعديل نظام الطائف، وتالياً سيفتح الباب أمام جنون الصراع بين المجموعات اللبنانية المختلفة.
فبموازاة مطلب الثنائي بنيل مواقع جديدة وأساسية، سيرد المسيحيون بالمطالبة بالفدرالية والعلمنة، في مشهد يكرر مشهد اجتماع سيدة البير. يصف الوزير السابق ابراهيم نجار في ندوة عقدت عن الدستور، ذاك الاجتماع بأنه لم يؤد إلى تبني الجبهة اللبنانية لطرح الفدرالية. في التفاصيل يروي نجار أنّ الشيخ بيار الجميل كان متطرفاً في الدفاع عن صيغة 1943، وأنّ الرئيس سليمان فرنجية كان يؤيد الفدرالية، كما أنّ الرئيس كميل شمعون كان قريباً منها، ليخرج الجميع من سيدة البير، ببيان ببصمات شارل مالك، تحدث عن المطالبة بتطبيق التعددية الحضارية، التي فسرت لاحقاً وبعد احتجاج المسلمين، أنّ النية منها، ليس التمييز بين الطوائف حضارياً بل ثقافياً.
يبقى اليوم السؤال الكبير، أنّه اذا ما عقد سان كلو 2، فمن من القادة المسيحيين سيبقى مع الصيغة، ومن سيؤيد الفدرالية (اذا طرح «حزب الله» تعديل «الطائف»). على الأرجح وبعد موجة الدعوات إلى الطلاق، لن يبقى في ميدان الطائف الا فارس سعيد، أمّا سليمان فرنجية الحفيد، فسيخالف وصية جده، لكن ليس مستبعداً في موضوع الصلاحيات، أن يستنسخ جده بمواقفه المعروفة في مؤتمري جنيف ولوزان.