إنّه زمن الحوار، واحدٌ حول اليمن، وآخر حول سوريا، وثالث حول ليبيا، ورابع في لبنان، وخامس حتميّ في كلّ بلد يعاني من الانقسامات والتشوّهات. صحوةٌ غير مسبوقة وسط كوابيس الأزمات المفتوحة، قد لا تنتج حلولاً سحريّة فوريّة، لكنّها قد تساعد على إدراك البدايات، وتلمُّسِ معالم الطريق المؤدّي نحو حلول وانفراجات.
إجتمع مجلس التعاون الخليجي في الرياض على مستوى وزارة الخارجيّة، وأكّد دعوة الأطراف اليمنيّة إلى الحوار في العاصمة السعوديّة، تحت إشراف الشرعيّة ممثّلةً بالرئيس عبد ربّه منصور هادي، وتركوا الباب مفتوحاً أمام الحوثييّن للدخول، إلّا أنّهم لم يعبروا العتبة بعد، وهناك مَن يعترف بوجود خَللٍ ما، «كان يُفترَض أن توجَّه الدعوة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بدلاً من عبد الملك الحوثي!».
في سوريا، كثرَ الطبّاخون، تبَدّلت الطاولات، تغيّرَت الأطباق. من «جنيف 1»، إلى «جنيف 2»، إلى «موسكو 1»، مروراً بعواصم ومحطات أخرى لا تعَدّ ولا تحصى، من دون أفق، إلى أن أحدثَ وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري الصدمة، وهَزَّ المشاعر والضمائر: «لا بدّ من الحوار مع الرئيس بشّار الأسد لمعالجة الوضع، ووضع حدّ للمأساة». هل هذه الدعوة مِن ضمن الصفقة الأميركيّة – الإيرانيّة، ومِن ضمن سلّة الشروط التي يصرّ عليها سليماني قبل إبرام الاتّفاق؟
في ليبيا، المضارب كثيرة، والصحراء شاسعة، وروائح النفط «تُهيّج غرائز» المستثمرين، وهم كثُر مِن الشرق والغرب، طوائف ومِلل، دوَل وشركات، ومافيات، الأمر الذي فاقمَ من منسوبَ التوقّعات. هل هو حوار متنقّل كما القوافل في الصحراء؟ وهل هو حول ليبيا، أم حول اقتسام آبار النفط ومردوداته؟ قد يتأخّر الجواب، ولكن على ضفاف الفوضى العارمة هناك حوار قد بدأ، إنّه البصيص الذي يُنبئ بشعلة أمل.
في لبنان، انطلقَ ماراتون الحوار من الزواريب الفئوية، وسط توقّعات متفائلة بأن يدرك المتبارون الكورنيش الوطنيّ العريض في المستقبل القريب، وبمساعدة صديق، قد يكون فرنسا. يعود الحديث عن «سان كلو» من جديد، للتفاهم على الجمهوريّة، وإعادة بناء المؤسّسات. مجلِس المطارنة الموارنة كان واضحاً، ناشَد علناً همّة الأشقّاء والأصدقاء لتقديم العون.
المجموعة الدوليّة لدعم لبنان اقتنعَت بعد طول تجاهل بأنّ وضع الأقلّيات تَجاوز الخط الأحمر، وتحَرّكت الديبلوماسيّة الفرنسيّة نحو اتّجاهات لم تكن في الحِسبان، وزير الخارجيّة لوران فابيوس يتحدّث عن جلسة لمجلس الأمن بهدف النظر في وضع الأقلّيات، ومسيحيّي الشرق.
دوائر قصر الأليزية تَعِد بخطوات كثيرة تجاه لبنان لانتشاله مِن المراوحة في الفراغ. الفاتيكان ليس ببعيدٍ عن هذا الحراك، وهناك تنسيق مع الإدارة الأميركيّة.
ثمَّة سؤال في الكواليس الديبلوماسيّة، هل إذا ما وجَّهت باريس الدعوة إلى «سان كلو» يحضَر الجميع في «8 و14 آذار»، أم سيكون لتيار «المستقبل» عذرُه، ولحزب الله اعتذارُه؟ إنّ ما عادَ به جان فرنسوا جيرو من الشرق الأوسط يُبنَى عليه الكثير في ضوء نقاشاته المطوّلة في بيروت، ومحادثاته في كلّ من الرياض وطهران والفاتيكان.
والحالة الحوثيّة في اليمن إنّما هي جزء من كلّ، وفاعليّة سليماني لا تقتصر على صنعاء وحدَها، بل تشمل بيروت، وأيضاً سوريا والعراق. وإذا كان الحوثي لم يدخل إلى قاعة الحوار بعد، فربّما يفعل غداً إذا ما انتهَت المفاوضات الأميركيّة – الإيرانيّة على خير. كثيرون في المنطقة وخارجَها يسعون إلى ضبط ساعاتهم وفقَ التوقيت الأميركي – الإيراني.
وكثيرون في المقابل يرون أنّ الحوار لا بدّ منه للتأكيد أنّه لا يزال ممكناً في عزّ انفلات ثقافة التوَحّش. إنّ التلاقي بين المتباعدين ليس مستحيلاً في عزّ سطوةِ الثقافة «الداعشيّة» التي ترفض الآخر.
وإنّ أزيزَ الرصاص لا يُدَبِّج اتّفاقاً، ولا بدّ في نهاية المطاف من كلمةٍ سواء، ومن قلمٍ يرصف المفردات التي تزفّ بشرى الحلول والمخارج.
على مسرح الإقليم هناك حوار في أكثر الساحات اشتعالاً واضطراباً.
وعلى هذا المسرح أيضاً ينتصب جنرالان، هما مارتن ديمبسي وقاسم سليماني، وعلى مقربة ودراية منهما يصرخ «جنرال» الديبلوماسيّة جون كيري فجأةً: «لا بدّ من حوار مع الأسد»…
ماذا تَغَيّر؟ إنّه زمن الحوارات حول الصفقات.