IMLebanon

عيد القديس مارون اليوم… فهل الموارنة في عيد؟

 

من أُعطي كثيراً يُطلب منه الكثير

 

 

هو عيد مار مارون ولكن هل الموارنة في عيد؟ هو سؤالنا اليوم في عيد «بيّ الطايفة». فالموارنة، كما كلّ المسيحيين، كما كلّ المسلمين، كما كلّ اللبنانيين، ليسوا بخير. الأجيال الجديدة تغادر. والموارنة، الذين سبق وتعرضوا إلى ظلمٍ شديد، يشعرون اليوم بقرف كثير. فهل يوضّبون العمر ويغادرون أم يتذكّرون نضال الآباء والأجداد الذين عاشوا في ظروف أقسى وظلّوا مؤمنين بحبة الحنطة في البيدر التي وإن ماتت تأتي بثمر كثير؟

كثيرون سيهبّون اليوم لتذكير المؤمنين بقول السيد المسيح «إن من أعطي كثيراً يطلب منه الكثير». والموارنة أعطوا كثيراً لذلك يُطلب منهم الكثير. هناك من يرى اليوم أنّ الكلام ما عاد يفيد وأصبح ضرورياً اليوم، أكثر من أي يوم، القيام بفعلٍ ما، أو لنقل بأفعال ما، تُنجّي البلاد والعباد من الإختناق حتى الموت. في المقابل، هناك من يُذكّرون اليوم المسيحيين والموارنة بالتحديد بأنّ «عصرهم» ولّى. وهؤلاء، من يفعلون ذلك، يجهلون أنّ ما أعطاه الموارنة، وما سمّي بعصر الموارنة، أعطى لبنان قيماً وتراثاً وثقافة وديموقراطية وحيوية. فهل تغيّر لبنان أم تغير الموارنة؟

 

كان القديس مارون، أبو الكنيسة ورجل الله، قليل الكلام، وكان كلامه نعم نعم أو لا لا. لم يكن يمطر الناس بالأقوال ويوقن أن العثار أكثر ما يكون، كما أخبرنا البطريرك مارنصرالله بطرس صفير ذات يوم، في كثرة الكلام. فالصلاة ليست ثرثرة بل محادثة مع الله. فهل ما زلنا نصلي أم أصبحنا نثرثر؟ نحن نحتاج إذا إلى أفعال لا إلى أقوال.

 

رحلة الموارنة كانت دائماً عذاباً واضطهاداً وسبحة شهداء. لم يختر هؤلاء الموت بل دُفعوا إليه وما زالوا. ثمة شهداء كثيرون من زمان، من أول الموارنة، حتى اليوم. ثمة شهداء موارنة قاوموا وما زالوا مؤمنين ببذل الذات في سبيل الحقّ والمحبة ومحاربة الباطل والثبات. فهل يخنع هؤلاء اليوم؟

 

المجلس العام الماروني

 

هناك مؤسسات مارونية «على مدّ العين» تعمل، أو يفترض أن تعمل، من أجل الموارنة والمسيحيين والوطن وثبات المؤمنين في الأرض. هناك صرح ورابطة مارونية ومجلس ماروني والمؤسسة اللبنانية للإنتشار وموارنة لأجل لبنان… فما قيمة كلّ تلك المؤسسات حين لا تكون الرعية بخير؟

 

عميد المجلس العام الماروني الشيخ وديع الخازن يقول «أولاً، يجب أن يدرك الموارنة إدراكاً عميقاً وحقيقياً أن لبنان لم ينشأ من أجلهم بل بسببهم، لذلك هم مسؤولون عنه قبل أن يكون هو مسؤولاً عنهم، وأن يخرجوا من نطاق المارونية السياسية إلى نطاق سياسة الموارنة».

 

هل الموارنة بخير؟

 

المجلس العام الماروني أقدم مؤسسة مارونية تأسست في العام 1876، أيام المطران يوسف الدبس، ومنه انبثقت الرابطة المارونية… ومذّاك كانت تدور مناكفات مارونية – مارونية بين الموارنة، بينها الخلاف بين ميشال عون وسمير جعجع، وكان للخازن، بحسب ما قال، دور في إجراء مصالحة بين الرجلين. نقول للشيخ وديع: الله يسامحك أم ماذا؟ فلننس تلك الحقبة ولنعرف أكثر رأيه في ما يقال أن زمن الموارنة قد ولّى؟ هو واثقٌ أنّ لبنان بلا الموارنة لن يبقى لبنان ويقول «لا يعتقد أحد أن المواجهة اليوم هي بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي، بل إنها مواجهة بين مجتمعات مشرقية، الموارنة والمسلمون جزء منها. فالماروني ليس مستهدفاً كماروني بل كلبناني، وشتّان ما بين أن يستهدف الماروني كماروني وأن يُستهدف كلبناني، إذ استهدافه كماروني أمر طائفي في حين استهدافه كلبناني أمر سياسي. من هنا أهمية إخراج الطفرات الدينية وطفيلياتها المرضية من الحياة السياسية لنفي هذا الطابع المضرّ بالسياسة والطوائف».

 

«بطركنا (البطريرك بشارة الراعي) يعمل منذ عام ونصف العام من أجل الحياد البناء والإيجابي وإجراء مؤتمر للبنان، وهذا ما عُرض في الفاتيكان في تموز الماضي، لكن بابا روما، أضاف الخازن، سأل: هل هناك إجماع؟ فالفاتيكان لا تعمل إلا بوجود إجماع لأنها مؤمنة بالشراكة المسيحية الإسلامية»، هنا يستطرد الخازن بالقول «علمتنا التجارب عدم قدرتنا للأسف على حكم أنفسنا بأنفسنا. وأتذكر أن إميل إده قال عام 1936: أنا لن أمشي بالإستقلال. لكن أتى بشارة الخوري وحدث ما حدث».

 

اليوم عيد مار مارون. رعيّته ليست بخير. والحلّ؟ الهجرة؟ رئيس «موارنة لأجل لبنان» بول كنعان يقول «يزعجنا طبعاً هذا الشعور ويحفّزنا لنعمل أكثر لنلعب دورنا الماروني المطلوب». نحن نعمل ليل نهار، من دون «تربيح جميلة»، من أجل أن نكون جميعنا كمؤسسات مارونية السند في المحن التي نحن فيها».

 

المؤسسات المارونية تعمل. لكن، مشكلة الموارنة أنهم ما عادوا يصدّقون شيئاً وفق قاعدة «أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب».

 

الموارنة مقاومون

 

ثمة سؤال يُطرح، كيف تعمل المؤسسات بالفعل لا بمجرد القول على «تجذير» الموارنة في الأرض؟

 

بول كنعان (المرشح إلى رئاسة الرابطة المارونية) يتحدث عن «عمل المؤسسات المارونية، تحت خيمة البطريرك الماروني، في سبيل وضع القطار على سكة إنقاذ الكيان اللبناني، لكن ما يحدث أن هناك من يسعى دائماً إلى هدم المؤسسات» وهنا يستغرب قائلا «الموارنة مقاومون، مرّوا بصعاب أكبر عبر التاريخ وخرج من بينهم قديسون، فلماذا المحاولة الدائمة ببث الكلام الإحباطي عنهم؟ لبنان لم ينته. لبنان لن ينتهي. ومار يوحنا مارون كان قائد ميليشيا بذل الذات حيث يجب وتصدّى حيث يجب وصلّى ونسك وقاوم. الموارنة سكنوا المغاور والكهوف ليسلم لهم الإيمان بالله. ومن دون الموارنة لن يكون لبنان ولا أي شيء «حلو» في لبنان. لا مسرح ولا جامعات ولا بعلبك. وأنا لست، في ما أقول سعيد عقل، لكن التجارب أثبتت لنا ذلك».

 

نحن، أولاد مارون، خرجنا من «شجرته». نسمع عن المارونية. نسمع عن الموارنة. لكن، ماذا عن مار مارون نفسه؟ هناك رسائل كثيرة تحتفظ بها الكنيسة تروي قدرات القديس على شفاء الجسد والنفس والروح. وهو الذي صعد، قبل أن يبدأ نشاطه الرسولي، إلى قمة جبل مار سمعان للتأمل والصلاة والتنسّك والصمت. وكان حينها في منتصف العمر. وهو عاش إلى ما بعد سن التسعين. القديس مارون تبع خطى أوّل النسّاك مار بولا الذي كان متقشفاً وأوّل من عمل على قهر الجسد ومنع الشيطان من التسرّب بالحواس. وكان يغطي جلده، في بقعة باردة جداً جنب أنطاكيا، بجلد ماعز لا «بالفرو والحرير».

 

ماذا عن المستقبل؟

 

 

لا تملك الكنيسة في لبنان رقماً محدّداً دقيقاً عن عدد الكنائس والأديرة التي تحمل اسم مارون في لبنان والعالم. لكن ما يعرفه الأقربون والأبعدون أن الموارنة هم أولاد الجبال. ويُحكى عن 54 ديراً رسمياً باسم القديس مارون في لبنان والإغتراب، وعن شخصين حكيا عن «شفاءات» القديس مارون وقدراته العجائبية، أولهما القديس يوحنا فم الذهب، بطريرك أنطاكيا في ذلك الوقت، الذي أرسل له رسالة كتب فيها: أبانا مارون أنا في غربتي إشفع لي وصلّ. وحكى المطران تيودوروس عن القديس مارون ووصفه بالإله لشفاءاته الجسدية والنفسية. القديس مارون ركّز على شفاء الجسد وشفاء النفس من العلل، لذلك كثر تحلّق الناس حوله في جبل نابو.

 

جميل أن نعرف أكثر عن مار مارون. وفي هذا الإطار يروى «قصة» فيها بعض النهفة جرت بين الرئيسين الراحلين اللبناني كميل شمعون والسوري حافظ الأسد. يومها تحدثا عن مار مارون فقال الأسد: هو أصله سوري وذهب إلى دياركم. فأجابه شمعون: أنتم تتدخلون بشؤوننا منذ ذاك الوقت.

 

بعيدا عن «النهفات» والقهر واليأس والتململ الماروني، ماذا عن أعداد الموارنة اليوم؟ قبل مئة عام وأكثر، يوم توّج بطريرك الموارنة الياس الحويك نضاله بقيام لبنان، لم تكن الرعية تشكل أكثر من 25,6 في المئة من مجموع اللبنانيين. وها هم الموارنة يسمعون اليوم من يحدّثهم عن الديموغرافيا والعددية ولبنان الجديد. إحصاءات إحصاءات وأرقام ليست شيئاً، لا ثبات فيها، أمام قيمة الحضور الماروني في بلد لا يشبه سواه. فالقداسة ليست سهلة والموارنة أعطوا البيادر حبات قمح كثيرة.

 

يبقى ما قاله لنا عميد المجلس الماروني العام «على الموارنة أن يكونوا، بعد كلّ ما أصابهم، قد تعلموا. وإذا لم يفعلوا ذلك سيكونون كما «ذنب الخيط».