بعدما أكّد رئيس الحكومة التزام مجلس الوزراء بالبيان الوزاري لناحية خطة الكهرباء وتنفيذه لقراري الحكومة السابقة رقم 1 تاريخ 8/4/2019 ورقم 1 تاريخ 21/10/2019 اللذين تضمّنا مواقع إنشاء معامل انتاج الطاقة الكهربائية، معتبراً أنّ القرار رقم 2 تاريخ 14/5/2020، المتعلّق بالموافقة على تفاوض وزير الطاقة على التفاهمات، استناداً إلى مذكرة التفاهم التي أعدّها، ورفع تقرير بالنتيجة “كي يُصار إلى تطبيق الخطة بدءاً من الزهراني واستكمالاً لها بحسب الخطة”، يأتي في سياق تنفيذ هذه الخطة من دون التعارض معها، بَدا رئيس الحكومة موفقاً في تجاوز الإحراج الذي تسبّب به طلب إعادة النظر بهذا القرار، الذي أجّل إدراج معمل كهرباء سلعاتا ضمن تكليف وزير الطاقة التفاوض مع كبار مصنّعي وحدات الإنتاج العالميين المهتمّين، الذي يُعتبر خروجاً عن خطة الكهرباء، التي ارتبطت موافقة الحكومة عليها أصلاً بالتقيّد بالأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، ولا سيما قانون الشراكة مع القطاع الخاص والقانون رقم 129 /2019 الذي يحدّد أصول تلزيم معامل الإنتاج للقطاع الخاص، والأهم من كل ذلك تلزيم معامل الإنتاج بموجب مناقصات تجري لدى إدارة المناقصات، وتُحترم فيها أحكام قانون المحاسبة العمومية. فأين قرار الحكومة بالتفاوض مع الشركات المذكورة من كل هذه القوانين؟!
بالرغم من هذا التأكيد، وفيما بدا موقف الرئيس دياب ملتبساً للبعض، فقد استمر الجدل حول أولوية هذا المعمل وعلاقته بتأمين التغذية بالكهرباء على مدار الساعة. وذكّرنا ذلك بما كان يحصل في الحكومات السابقة، حيث كان يخرج كل وزير من الجلسة ليفسّر القرار بما يتفق مع موقفه ووجهة نظره. وها هو فريق وزير الطاقة يستنفر مؤيّديه للإعلان عن تمسّكه بإدراج هذا المعمل ضمن التفاوض، متجاهلين أهمية العديد من الحقائق والمستجدات الجوهرية التي تتعارض مع هذا الطرح، ولا سيما مرتكزات وأهداف هذه الخطة وتسلسل أولوياتها.
ولجلاء خلفية هذا الإصرار والتحقق من مدى اتفاقه مع حقيقة وموقع هذا المعمل في إطار خطة 2019 الميوّمة، وقرارات مجلس الوزراء التي أشار إليها رئيس الحكومة، ليضبط موقفه على مضمونها، فقد عدنا إلى تفاصيلها وحيثيات موافقات مجلس الوزراء ذات العلاقة، وآخرها القرار رقم 2 تاريخ 14/5/2020. وكذلك عدنا إلى ظروف استبعاد العقارات المستملكة خلال العام 1978، لبناء معمل كهرباء عليها، والتوجّه نحو استملاكات جديدة.
وبالنتيجة تبيّن أنّ خطة 2019، هي مثل سابقاتها العائدة للأعوام 2010
و2017 و 2018، انطلقت من هدف واحد، هو معالجة اسباب العجز المالي لكهرباء لبنان، الناشئ عن استخدام معامل قديمة ذات الكفاءة المتدنية وتكلفة التشغيل المرتفعة، وعن ارتفاع نسبة الهدر غير الفني الذي يشارك النازحون فيه بحصة تبلغ 0500 ميغاوات. وهي تقوم على “ركائز ثلاث هي: خفض الهدر وتحسين الجباية، وزيادة القدرة الإنتاجية وتحسين فعاليتها … ، إضافة لاعتماد أعلى معايير الشفافية وإجراء مناقصة عالمية تضمن تأمين الكهرباء بأقل كلفة ممكنة. وقد تبين أيضاً أن خطة 2019 الميومة المرفقة بقرار مجلس الوزراء رقم ١ تاريخ ٨/٤/٢٠١٩/، الذي اعلن الرئيس دياب إلتزامه به، تضمنت في الصفحة 4 منها جدولاً يوزع تنفيذ “إنتاج الكهرباء المطلوب” على مديين : القصير والبعيد. ويظهر معمل سلعاتا بقدرة ٥٥٠ ميغاواط ضمن المرحلة الثانية. ويسبقه في المرحلة الأولى معملا دير عمار بقوة ٤٥٠ ميغاواط ومعمل الزهراني بقدرة ٧٠٠ ميغاواط. و تشترط الخطة في هذا المجال العمل بالشراكة مع “القطاع الخاص”، على توفير إنتاج الكهرباء “بأرخص الأسعار” وبـ “أسرع وقت” وبـ “أدنى كلفة ممكنة”، من خلال “مناقصات” علنية وشفافة وإجراءات إدارية سريعة.
وبذلك يكون طرح سلعاتا اليوم كأولوية، متعارضاً مع خطة 2019على مستويين: ربطه بالمرحلة الأولى وبإنجاز معملي دير عمار والزهراني الملحوظين دون غيرهما في هذه المرحلة، وبالتكلفة المالية الإضافية التي سوف تترتب عن استملاك الأراضي اللازمة لبناء المعمل عليها، ولتجهيز الشبكة اللازمة لنقل إنتاجه، والتي لا طاقة للدولة على تحملها، وكذلك بالنسبة للوقت الذي سوف تستغرقه هذه العملية. هذا مع العلم بأن الاستشاري MacDonald Mott نصح بالاستملاك لأن تفاوض المتعهد بطريقة IPP على استئجار العقارات سوف يكون صعباً وفي حال نجح فإنه سوف يؤدي حكماً إلى تحميل تكلفة الاستملاك أو أعباء الاستئجار إلى رفع تكلفة استثمار هذا الشريك من القطاع الخاص، وبالتالي ارتفاع تكلفة شراء الطاقة منه. وهذا تماماً ما حصل مع متعهدي إنتاج الطاقة من الرياح، بحيث بلغ السعر المعروض للكيلوات الواحد 13،6 سنت خلال العام 2014، وبعد التفاوض تراجع على عدة مراحل ليستقر على 9،6 سنت خلال العام 2018، وذلك مقابل متوسط عالمي يتراوح بين 5 و 6 سنت، والسبب هو تضمين السعر استرداد تكلفة استئجار الأراضي التي تحملها المتعهد، كما كلفة محطات النقل والتوزيع، التي سوف يحتاج إليها حكماً تلزيم سلعاتا. هذا مع العلم بأن الجهات المانحة او المقرضة، مثل البنك الدولي، لا توافق على استخدام الأموال التي توفرها لدفع تعويضات استملاك.
أما بالنسبة للتذرع بالحاجة إلى ثلاثة معامل بالعدد، فهو تبرير غير مقنع لأن الحاجة لزيادة الإنتاج تتحدد بمجموع القدرة اللازم توفيرها من المعامل المحتملة، وليس بعدد هذه المعامل. وقد تبين بالفعل من العروض التي رفعها وزير الطاقة إلى مجلس الوزراء بنتيجة التفاوض مع شركات مهتمة، وجود تفاوت مهم بين قدرات المعامل المعروضة تراوحت بين 1068 و 950 و 825 و762 و 550 و 530 ميغاواط، بحيث يمكن أن يكتفى بمعمل واحد كبير، أو بمعملين، يغطيان أكثر من القدرة الإجمالية المطروحة للمرحلة الأولى من الخطة في موقعي الزهراني ودير عمار- 2. ولا بد من الإشارة هنا إلى موقع الجية، الذي، خلال العام 2015، أوصى مجلس النواب بجرف المعمل القديم القائم عليه، وخلال العام 2016، أقر مجلس الوزراء هذه التوصية، لانعدام جدوى تأهيله وارتفاع تكلفة صيانته وتشغيله، ووافق على بناء معمل جديد مكانه بقدرة ٦٠٠ ميغاواط. ويبدو أن تجاهل موقع الجية متعمد لتبرير طرح سلعاتا كموقع لا غنى عنه لتأمين التغذية على مدار الساعة. وكذلك الأمر بالنسبة لتجاوز موقع دير عمار، باعتبار “قضيته معروفة”، فيما لا يزال الغموض يكتنف مصيره، بالرغم من انقضاء سنتين على تكليف الوزير ابي خليل منذ 21 أيار 2018، بإجراء مفاوضات مع المتعهد الذي قدم عرضاً لتحويله من EPC إلى BOT، لقاء تعليق دعوى التحكيم و2،95 سنت بدل تحويل الكيلوواط الواحد. وقد انتقل ملف التفاوض إلى الوزيرة بستاني التي ظلت تماطل وتعلن عن قرب بمباشرة التنفيذ لتوهم “ناظر سيدر” بأنها حققت إنجازات إصلاحية على الأرض، دون نتيجة، وظل مصيره حتى اليوم طي الكتمان!
هذا مع العلم أن لا صلة لموقع أي معمل للكهرباء بتنمية المنطقة الواقع ضمنها وإمكانية انتفاعها منه، لأن شبكات النقل المتصلة حالياً بمواقع المعامل القائمة حالياً، هي التي تؤمن وصول الطاقة المنتجة من هذه المعامل إلى أبعد القرى والبلدات عن مواقعها، خلافاً لموقع سلعاتا موضع الإصرار على تلزيمه أولاً، الذي يستوجب إنفاقاً إضافياً لتجهيزه بما يلزم لتأمين ربطه بشبكة النقل المشتركة الموجودة.
إن الإصرار على أولوية سلعاتا بالرغم من أوجه تعارضه المتعددة مع مرتكزات خطة 2019، أقل ما يقال فيه أنه تجاوز لمرتكزات الخطة وللواقع وللمتغيرات المالية للدولة وغيرها من التطورات الاقتصادية المستجدة، واستمرار لسوء إدارة مصالح الدولة وللأسباب التي أدت إلى فشل تنفيذ الخطط المتعاقبة اعتباراً من 2010 وتجاوزتها مقدمة خطة 2019، التي انطلقت من قيمة عجز كهرباء لبنان خلال العام 2018.
إن أخطر ما يحصل اليوم بشأن التزام الحكومة بخطة 2019هو ليس فقط في عدم وجود حدود واضحة لهذه الخطة “المتحولة” وما تخفيه بين سطورها، ولا في إطلاق يد وزير الطاقة في التفاوض ووضع دفاتر الشروط وإشراك فريق عمله في إجراءات هي من اختصاص إدارة المناقصات، وإنما هو عدم مراعاة التطورات والتداعيات الخطيرة التي استجدت على مستوى الانهيار المالي الذي أصاب الدولة والمصارف وزعزع ثقة القطاع الخاص الداخلي والخارجي بإمكانية توفر التمويل واسترداد أمواله المستثمرة.
برأيي نحن بحاجة لإعادة النظر بخطة الكهرباء من اساسها وليس بمعمل سلعاتا فقط.