يُصارع المشتبكون على معمل الكهرباء المزمع إنشاؤه في منطقة سلعاتا في شمال لبنان، طواحين الهواء. فهم جميعاً يخوضون معركة وهمية، يريدون من خلالها تسجيل انتصارات في عقول أنصارهم وأتباعهم.
أين هو معمل سلعاتا اليوم؟
لا يوجد من معمل سلعاتا سوى الأسم، وليس هناك من خطوات عملية تشير إلى أنه سيرى النور في المدى القريب أو البعيد. فالأرض لبناء هذا المعمل غير متوافرة بعد، وتوفرها يحتاج إلى استملاكات، والإستملاكات تحتاج إلى أموال، وكل ذلك يحتاج في النهاية إلى قرار من مجلس الوزراء.
معمل سلعاتا لم يجر تلزيمه بعد، وليس هناك من أي شركة لا محلية ولا إقليمية ولا دولية كُلّفت بتنفيذه. وتبقى المشكلة الأساس في هذا الموضوع هي تأمين التمويل له ولغيره من المعامل، وقد أصبح هذا التمويل شبه مستحيل، نظراً الى الوضع المالي والنقدي الذي يعاني منه لبنان كدولة مُتخلّفة عن سداد ديونها، وعاجزة حتى عن تأمين احتياجاتها اليومية. فهل ستُنفق ما تبقّى في احتياطها ومدخرات مواطنيها على بناء معمل للكهرباء؟
قضية معمل سلعاتا غير القابل للوجود حتى الآن، هي تفصيل من تفاصيل خفايا وخبايا معضلة الكهرباء، التي هي من عناوين الحرب السياسية وغير السياسية الدائرة في لبنان، وفي داخل السلطة على مدى سنوات، وهي اليوم تحديداً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من جهة، والأطراف الأخرى من جهة ثانية، وفي مقدّمها الثنائي الشيعي وتيار “المردة”. ويساندهم من خارج السلطة الحزب “التقدمي الإشتراكي” و”تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، وكلّ منهم لهدف معيّن. وربما يتّفقون جميعاً على قطع الطريق أمام النائب باسيل كي لا يُحقّق أي مكسب على متن الكهرباء، أو على متن أي إنجازات أخرى يقول إنه حقّقها او سيحقّقها.
وهْم سلعاتا هو وهم، ينسحب على خطة الكهرباء كاملة، فهي ومنذ سنوات وسنوات تعاني ولم يتحقّق منها أي إنجاز يُذكر. ولم تُحقّق الحكومات اللبنانية حلم اللبنانيين بتيّار كهربائي على مدى 24 ساعة، واستمرّ النزف والهدر المالي والتقني، مُساهماً في زيادة معاناة المواطنين وفي شفط ما تبقى في جيوبهم ومدخراتهم.
ليست سلعاتا وحدها الوهم، بل أيضاً معمل دير عمار 2 والزهراني 2، كلّها ما زالت حبراً على ورق، ولكنّها حازت على التصنيف اللبناني. فدير عمار معمل سنّي، وسلعاتا مسيحي، والزهراني شيعي، وربما تحتاج الطوائف والمذاهب الأخرى لمعامل على الورق، في أسخف عملية إلهاء وتحريض للرأي العام الذي يجب إعادة تنبيهه إلى أن المطلب الأساس هو تأمين التيار الكهربائي في شكل متواصل، ولا فرق في أن تُبنى المعامل هنا او هناك.
في الكهرباء، لم نعش وحدنا الأوهام والأكاذيب، بل عاشها معنا أيضاً المجتمع الدولي، ويبدو أنه استخلص العِبر، ولكنها عِبر ستجعلنا في المزيد من الظلمة. فالقرار واضح، لا تمويل لا من بنك دولي ولا من دول مانحة ولا من صندوق نقد دولي، ولا سيما لقطاع الكهرباء، إن لم تبدأ الإصلاحات فوراً، وفي مقدّمها تعيين مجلس إدارة جديد لكهرباء لبنان، وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.