ما تعرّض له نصف سكان جبل لبنان، وكل سكان الجنوب نهار أمس الأحد، نتيجة إقفال الطريق الساحلي في الجيّة ومفترق برجا بوجه شاحنات المقاولين المحمّلة بحصص النفايات الى المطامر المفترضة في اقليم الخروب مؤسف حقاً، ويوجب على بلديات الاقليم الاعتذار من الناس الذين حرموا من نزهة الأحد، أو الوصول الى مطار بيروت، لكن المؤسف أكثر أن تتحوّل النفايات في لبنان الى قوالب جبنة تختلف على تقاسمها، القطط السمان وحيتان المال والسلطة، على حساب صحة المواطن والوطن، المتروكين في الوجود بلا عناية ولا رعاية، نهباً للمادة المسيطرة على العقول وللمذاهب السياسية والدينية التي تحولت الى ذرائع للسلطة والاستهلاك ولتبرير التحكّم والاستبداد.
حلول النفايات المؤقتة، كما طرحت، ستفضي الى أزمة دائمة، فما من شيء مؤقت في لبنان إلاّ ويصبح دائماً، وأكبر الأدلّة وأشهرها الفراغ الرئاسي الذي دخل شهره الثالث عشر ومع ذلك سمعان لا يسمع، ودعاة حقوق طوائفهم يتفانون من أجل المواقع الخاصة بهذه الطوائف، الى درجة افنائها، من شدّة الوجد والشغف، ما دفع الرئيس ميشال سليمان للصلاة الى الله كي لا يكون آخر رئيس جمهورية للبنان…
وعسى ان لا يضطر الرئيس تمام سلام الى صلاة كهذه، وهذا قد لا يكون مستبعداً، اذا نفذت طاقته على الصبر والاحتمال، واضطر الى الاستقالة في لحظة تخلٍ، فماذا يبقى من الدولة والمؤسسات، وأي عائق يمكن ان يصدّ أو يؤخّر مخطط اعادة النظر بالكيان اللبناني، المسمّى بالمؤتمر التأسيسي؟
وفيما دخان حرائق النفايات يخنق بيروت، وحواجز الأهالي تقفل الطرق الدولية يأتي من يشاغل الحكومة بحالها، يرش المسامير في طريقها ليطيح بمشاريع حيوية، أو ليغطي مشاريع شخصية، كما يحصل في موضوع النفايات الذي يشبهها البعض بالدجاج الذي يبيض ذهباً…
مصادر سلام طمأن القلقين على مصير الحكومة، ومن بعدها البلد، استنتاجاً لما قد تكون عليه حصة لبنان من الاتفاق النووي الايراني، بأن سلام لن يذهب الى اي مكان بأرجل غيره، كما قال الوزير رشيد درباس، لكن هذه المصادر لم تسحب راية التلويح بالاستقالة، رغم اعلانه الحرص على تحمل المسؤولية.
المصادر، وفي ضوء الاتصالات الداخلية والخارجية، والتصريحات المحلية، خصوصاً ما صدر عن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول خطورة ترك البلد نهباً للفراغ، توقعت تأجيل جلسة مجلس الوزراء غداً الثلاثاء في حال عدم التوافق على آلية عمل المجلس كما هو ظاهر، تجنباً لصدام وزاري محتمل، بعد الوقوف المباشر والعلني لحزب الله خلف طروحات وزراء التيار الوطني الحر، الهادفة الى تكبيل يدي رئيس الحكومة وبالتالي جر مجلس الوزراء الى دائرة الشلل، وقد جاء تحذير الامين العام للحزب من مخاطر الفراغ، بمثابة رد مبكر لكرة ازمة الخلاف بين سلام ووزراء عون عن مرمى الحزب الداعم للطروحات المعرقلة لمسار الحكومة والشاغلة لها عن الاستحقاقات المؤسساتية والتشريعية الملحة.
قدر الثلج ان يتحول ماء… وقدر الحقيقة ان تظهر، حتى ولو ألبست رداء غير شفاف.