IMLebanon

الرئيس سلام.. والآفاق المسدودة

لا يُحسد الرئيس سلام على استمراريته الطويلة والمضطربة في رئاسة الحكومة وبالتالي لكونه قائمقام رئيس الجمهورية طيلة فترة خلو كرسي الرئاسة من رأس يدير الدولة محافظاً على ما أمكنه من أساسيات الحكم والإمساك بخيوط التوجيه والمراقبة في المؤسسات كافة، وها هي البلاد بعد أن دخلت في السنة الثالثة من الفراغ الرئاسي، وبعد أن أصبح لها أربع وعشرون رئيس جمهورية يجاهرون بمصادماتهم ومناكفاتهم وتعطيل عجلة الحكم والحكومة وإدخال الوطن والمواطنين في أشد المزالق خطورة وفي طليعتها المآزق الإقتصادية التي استفحلت في المدة الأخيرة إلى درجة دق أجراس الخطر والتحذير من الدخول شيئاً فشيئاً في المرحلة الإفلاسية التي إن استكملت وجوداً بهمة «الوزراء – رؤساء الجمهورية»، الممسكين بأعناق الوطن إلى حدود الخنق ومنع الهواء والماء والكهرباء وسد أبواب الإنقاذ والخلاص أمام مداخلها كافة وفي طليعتها تلك الثروة الهابطة على لبنان من السماء لتكون لدينا الوسائل الإنقاذية المتمثلة بثروة نفطية ما زالت «بفضل» خلافاتهم وهجمتهم على اكتساب الحصص والمغانم متأرجحة وغير مضمونة التحقق.

لا يُحسد الرئيس سلام إطلاقاً على موقعه «الحاكم» والمتحكّم به في هذه الظروف التي وضعته في وضع مسؤول لا قدرة له على تجاوزه، حتى بالإستقالة، التي يحذره كثيرون من اللجوء إليها، تجنباً لمحاذير دستورية وميثاقية قد تدخل البلاد من مزيد من المآزق التدميرية.

لا يُحسد الرئيس سلام على موقعه الذي أوجدته فيه ظروف معقدة وقاسية ظلمته إلى حد بعيد أكثر مما خدمته من خلال تبوّئه لمنصب رئاسة الحكومة، فإذا بالتجاوزات السياسية والإدارية والمعنوية تحيط به من كل جانب، وفي طليعتها ما أقدم عليه طرفان لبنانيان بتفاهمهما النفطي الثنائي ومن خلال إيجاد حل لموقف ومصالح كل منهما بالنسبة لقضية النفط والغاز في أكبر وأخطر عملية مساومة على مصالح البلاد والعباد في هذا الوطن الذي طغت عليه وطمرته التجاوزات المنوعة من كل حدب وصوب، وموقف رئيس الحكومة بالنسبة لهذا الموضوع قد جاء حتى الآن إنتفاضة «ناعمة» بوجه هذه القفزات البهلوانية التي لم تعد تستحي فباتت تصنع ما تشاء.

ويزداد الطين بلّة عندما يفاجأ الرئيس سلام بثلاثة وزراء في حكومته كان مفترضاً أن يرافقوه في قمة نواكشوط، فإذا بهم يعتذرون بكل استخفاف وبأعذار ما انزل الله بها من منطق معقول ومقبول، كان هناك موقف مسبق من قبلهم وقبل الجهات التي يمثلونها أدت إلى تشكيل هذا الوفد اللبناني المبتور والمتوافق في شكلياته وأساسياته مع وضعنا المتدهور القائم، بل إن أحد «المعتذرين» قد تسبب للبنان سلفاً بحرج مؤسف من خلال ما تناولته وسائل الإعلام عن اللغط الذي دار حول تصريحاته عن فنادق نواكشوط والفئران التي تملأ غرفها، فإذا بلبنان والرئيس سلام تحديداً، مدعوان من قبل الحكومة الموريتانية إلى تقديم اعتذار عن الإهانة التي ألحقت بتلك الدولة المضيفة، وهكذا كان الرئيس سلام مدفوعاً به إلى أن يكون منفرداً إلى بوز المدفع في مواجهة الإحراجات الشديدة التي واجهته أمام المواقف العربية المعارضة والرافضة للموقف اللبناني المتكرر بصدد حزب الله ومحاولات التمدد الإيراني، بل إن بيان القمة عاقب لبنان من خلال نأي العرب بأنفسهم عن التضامن معه في مواجهاته ومعضلاته، مختزلين هذا المنحى الإيجابي من مواقفهم السابقة تجاهه، وهكذا فإن الرئيس سلام وكأنه بات في موقف يطلق فيه القول المأثور «أأنا المسؤول الوحيد لتلقى تبعات الهوى السياسي على كتفيا»؟

ولا يحسد الرئيس سلام بالتالي على وضع لبنان الإقتصادي الذي يتدهور في عهده نتيجة لمواقف الإشقاء العرب منه لما بات عليه لبنان في سياساته الخارجية ووضعه الداخلي المقبوض على عنقه، إضافة إلى إحجامهم عن الحضور والإصطياف في لبنان، فلم تعد بلادنا مع الأسف مصيف العرب وجامعته ومستشفاه وصاحب أوسع مجال للإستثمارات العقارية والإقتصادية. وتتصاعد في البلاد أصوات ومواقف كثيرة تدعو الرئيس سلام إلى قلب الطاولة على الجميع والإستقالة من كل هذه المآزق معروفة المصدر والأساس، ومثل هذا القرار دونه أخطار ومحاذير يبدو أنه ما زال مستمراً في أخذها من قبله بعين الإعتبار والتحسب.

الرئيس سلام بمواقفه الحكيمة والمتحسبة، لطالما دعا اللبنانيين بصددها إلى تفهم أوضاعه وأحرجات مواقفه، وبين متفهم ومتحفظ ورافض، تغوص البلاد في مزيد من متاهات المجهول، ويمتلىء موقف الرئيس سلام حرجاً على حرج، يقابله في ذلك، وزراء لا يهتمون إلاّ بمصالحهم الشخصية ومردوداتها المتنوعة إليهم وإلى جهاتهم الضاغطة والقابضة.