يُفترض بجلسة مجلس الوزراء أمس أن تكون قد أطفأت تجاذباً داخلياً لم يطل كثيراً بإزاء موقفي رئيس الحكومة ووزير الخارجية في قمة شرم الشيخ، والجدل الذي أحاط بصلاحية كل منهما في رسم السياسة الخارجية للبنان والتعبير عنها
اصطدمت كلمة رئيس الحكومة تمّام سلام في القمة العربية في شرم الشيخ بانتقاد من حزب الله، بعدما اصطدمت كلمة وزير الخارجية جبران باسيل أمام وزراء الخارجية العرب عشية القمة بمناوأة قوى 14 آذار. في حصيلة الجدل بدت للديبلوماسية اللبنانية وجهتا نظر مختلفتان بإزاء ما يجري في اليمن، وموقع لبنان من الموقف العربي العام حيال هذا الحدث.
انطوى موقفا رئيس الحكومة ووزير الخارجية على تناقض، فحواه أن سلام اعتبر الإجماع العربي على الشرعية الدستورية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وعلى إنشاء قوة عربية مشتركة محققاً من خلال قرار قمة شرم الشيخ في يومها الثاني، بينما لمس باسيل منذ الاجتماع التمهيدي لنظرائه العرب أن لا إجماع على القوة العربية المشتركة وعلى التدخل العسكري، تبعاً لمواقف أدلى بها بعض الوزراء الحاضرين، ثم عكست مجدداً المواقف نفسها كلمات وفود العراق والجزائر وعُمان قبل صدور البيان الختامي. بدا الموقف اللبناني بذلك مربكاً، ونقل تداعيات موقفي سلام وباسيل إلى مجلس الوزراء الذي سارع إلى إطفائها البارحة.
أما ما لم يجب عنه مجلس الوزراء، ولا من قبل الجدل من حول موقفي رئيس الحكومة ووزير الخارجية، فهو سؤال واحد: مَن يصنع السياسة الخارجية للبنان؟
اقترن السؤال بمجمل ما طرحه سلام وباسيل في القمة العربية، من دون أن تكون كلمتاهما أو الموقف اللبناني على الأقل قد عُرضا في مجلس الوزراء. الأمر نفسه بالنسبة إلى القمة، الدورية في آخر آذار من كل سنة، إذ باغت الحدث اليمني قبل أيام قليلة من انعقادها جدول أعمالها وتصدّره، وأغفل تقريباً ما عداه من بنود أخرى وأخصها محاربة الإرهاب.
كان الأهم في ذلك، وهو مبرر استقطابها الإجماع، إن أكثر من نصف الدول الأعضاء في الجامعة منخرط في الحملة العسكرية، بما فيها الدولة المضيفة رئيسة الدورة الحالية مصر.
لم يؤيد رئيس الحكومة على نحو مباشر الحملة العسكرية للتحالف على الحوثيين، إلا أنه أعلن انضمام لبنان إلى الإجماع العربي على شرعية الرئيس اليمني، مع إعلان تأييده القوة العربية المشتركة. وإذ تمسك بالإجماع العربي، أيد أي موقف عربي يحفظ سيادة اليمن ووحدة أراضيه. الموقف نفسه الذي حمل دول التحالف، وفي مقدمها السعودية، على تبرير حملتها العسكرية. بذلك أيد سلام ضمناً الحملة العسكرية تلك وفق قاعدة الإجماع المزدوج على شرعية هادي وسيادة اليمن. على طرف نقيض منه، فضّل وزير الخارجية الوقوف بإزاء ما يجري في اليمن على صورة ما لا يزال يحدث في سوريا من خلال سياسة النأي بالنفس، وتعميمها على النزاع الإيراني ــــ السعودي، كصورة مكملة لما يجري في سوريا على أنهما طرفان، من بين آخرين، في الحرب الدائرة على أراضيها. إلا أن سلام وباسيل التقيا في جانب آخر على الدعوة إلى الحوار السياسي.
انبثق موقف رئيس الحكومة، في تأييده الإجماع العربي على شرعية هادي، من واقعين متلازمين:
أولهما، بيان مجلس الأمن قبل أكثر من أسبوع الذي أكد شرعية الرئيس اليمني بعدما بلغ الحوثيون أبواب عدن وهددوا باحتلالها أسوة بصنعاء، من غير أن يصطدم البيان بأي تحفظ أو امتناع أو معارضة. فانضمت إليه روسيا والصين القريبتان في الغالب من الموقف الإيراني في سوريا، وأعاد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف تأكيده إبان وجوده في شرم الشيخ، على هامش أعمال القمة، بأن حكومته تعدّ هادي رئيساً شرعياً. سرعان ما مثّل بيان مجلس الأمن مظلّة دولية لم تكتفِ بدعم شرعية هادي، بل حضت الرياض على حشد أوسع ائتلاف عسكري عربي وإسلامي غير مسبوق للتدخل في اليمن ومواجهة الحوثيين، ومن ثم رفع وتيرة التصعيد ضد إيران.
ثانيهما، انسجاماً مع المشاورات الجانبية التي رافقت الجلسات الأربع للقمة للاستماع إلى كلمات رؤساء الوفود، وأفضت إلى بيان ختامي لم يلقَ تحفظ أيٍّ من العراق والجزائر وعُمان، أو معارضة علنية مشابهة على الأقل لما ورد في كلمات الدول الثلاث بالتحفظ عن الحملة العسكرية، وطلب فتح أبواب الحل السياسي بين الأطراف اليمنيين. إلا أن البيان الختامي لقمة شرم الشيخ صدر بإجماع أو شبه إجماع من غير أن يُطرح على التصويت، ومن غير أن يلقى أدنى تحفظ، متضمناً قرار إنشاء قوة عسكرية مشتركة ومن خلاله تبرير الحملة العسكرية واستمرارها بقيادة الرياض. لم يرفع العراق والجزائر وعمان في الجلسة الختامية إصبع الاعتراض حتى.
على غرار معظم بيانات القمم العربية وقراراتها التي نادراً ما احتاجت إلى تصويت، انسجم البيان الختامي مع ميثاق الجامعة العربية وأحد أهم قواعد عملها. إذ يشترط الإجماع على أي قرار يصدر عنها. تدين الجامعة للبنان بالذات وضع الإجماع شرطاً في بروتوكول الإسكندرية عام 1944، الذي أُعدّ لميثاقها، بغية تفادي إرغامه على قرار يتخذ بالأكثرية في حقبة، أشعرت الدولة اللبنانية المستقلة حديثاً آنذاك بأطماع جارتها سوريا بها وبأراضيها.