يتأرجح رئيس الحكومة تمّام سلام بين خياراتٍ أحلاها مُر. أقفَلت بورصة الخيارات على الاعتكاف أو الاستقالة، في ظلّ التعطيل الذي يمارَس في موضوع النفايات والمرشّح لأن يؤدّي إلى أكبر كارثة بيئية عرفها لبنان.
منذ تسَلمه رئاسة الحكومة وتشكيلها حرصَ سلام على اتّباع سياسة الخطوة خطوة، في مقاربة المشاكل بين فريقَي ربط النزاع، وأصبحت المهمّة بعد تعثّرِ تشكيل الحكومة لأشهر أكثرَ صعوبة، لا سيّما بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتكاد المهمة تصبح مستحيلة بعد أزمة الترقيات،
والتعطيل الذي يمارسه حزب الله تعاطُفاً مع العماد ميشال عون، والذي يتوقّع أن يحوّل الحكومة إلى حكومة مشلولة، تستنزف نفسَها ورئيسها، في حين يتفرّج الطرف المعطّل على التعطيل وكأنّه لا ينتمي إلى الحكومة، وكأن ليس لديه ما يخسره جرّاء تفاقمِ الأزمات المعيشية والمالية، واقتراب الوصول إلى كارثة الاهتراء الشامل والشَلل الذي يهدّد بنية المؤسسات.
أمام هذا الواقع الصعب تتمسّك أوساط الرئيس سلام بالتأكيد على أنّ قراراً سيتّخذه رئيس الحكومة خلال أيام، ولا تدخل في تحديد مواعيد لهذا القرار. كما تعيد هذه الأوساط التذكير بما قاله سلام في جلسة الحوار عن ضرورة مشاركة كلّ المناطق في تحَمّل المسؤولية بإقامة مطامر من عكار إلى البقاع إلى برج حمود والناعمة وصيدا،
وهذا ما لا يتوفّر بفعل التمييع والمعارضة، وتروي الأوساط على سبيل المثال ما قاله النائب آغوب بقرادونيان على طاولة الحوار عن أنّ برج حمّود خط أحمر، وتشير إلى أنّ هذه المواقف تعني أن لا اتّفاق على خطة شهيّب،
وتعني أنّ رئيس الحكومة لن يغامر بتحديد جلسة للحكومة ما لم يتمّ الاتفاق مسبَقاً على الخطة، وإلّا سيكون الفشل مصيرها، والفشل هنا يعني المزيد من تعميق شعور اليأس والإحباط لدى المواطنين، الذين يرون أنّ دولتهم بمؤسساتها تتحلّل كلّياً أمام عيونهم.
وعن موقف حزب الله من إعطاء جواب إيجابي حول المطمر في البقاع تقول أوساط سلام إنّ الحزب كان متجاوباً، لكنّه غيَّر موقفه، ولهذا الأمر تداعيات سلبية على خطة النفايات، وعلى سير الحكومة ككُل، وعليهم هم أن يوضحوا موقفهم وأن يعودوا إلى تجاوبهم، لأنّ الموضوع يتعلق بتفادي كارثة بيئية تطال جميع اللبنانيين.
يبدو الرئيس سلام كمن يضيف أياماً جديدة إلى أيام الصبر التي مارسَها والتي اشتهر بها، لكنّ الواضح هذه المرّة أنّ رئيس الحكومة مصمّم على عدم الاستمرار بدفع أكلافٍ من رصيده الشخصي، ففي وقتٍ تتوجّه تظاهرات الحراك إلى أمام منزله، وهو الذي لا حولَ له ولا قوّة إلّا التهديد بالاستقالة، تستمرّ أزمة النفايات وأزمة التعطيل لتأكل ما تبَقّى من رصيد حكومة ربطِ النزاع، كما مِن حوار مجلس النواب الذي بات مشهدُ متحاوريه عبثياً وهم يناقشون مواصفات وهمية للرئيس المقبل، من دون أن ينجحوا في الاتفاق على خطة شهيّب، ولو بحدّها الأدنى.
هل كان على الرئيس سلام أن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء مهما كانت نتائجها، وأيّاً كان التهويل الممارَس عليه مِن فريق يستعمل التعطيل سلاحاً في كلّ مرّة لا تتحقّق فيها شروطه؟
الواضح أنّ الرئيس سلام بات في عمق المأزق، فلو نجح في عقدِ جلسة للحكومة وإقرار ملف النفايات، فلن يتمكّن من تسيير عمل الحكومة والاستمرار في الجلسات، بفعل قرار التعطيل الذي اتّخذه حزب الله، الذي لم يعُد يريد من هذه الحكومة إلّا أن تكون حكومتَه على طريقة غبّ الطلب، أي لن تجتمع هذه الحكومة إلّا عندما تدعو مصلحة الحزب لذلك، وهذا يضع مصير هذه الحكومة وخيارات رئيسها في الموقف الأصعب.