بكثيرٍ من اللياقة يتحاشى بعض القياديين الحديث عن تحميل السعوديين رئيسَ الحكومة تمام سلام مسؤولية ما آلت اليه العلاقاتُ اللبنانية ـ السعودية. ومردّ ذلك إلى أنّ سلام الذي عبّر في أدائه عن قدرة خارقة على تجاوز حقول الألغام رغم صعوبة المهمة فقد وقع في نهايتها بين «شاقوفي» إيران – «حزب الله» والرياض وحلفائها في الداخل والخارج. فإلى أين المآل؟
في الكواليس السياسية سيلٌ من الروايات المتداولة في حلقات ضيقة حول تحميل سلام مسؤولية ما آلت اليه العلاقات اللبنانية ـ السعودية. فهو وفق إحدى الروايات مَن وفّر الغطاء الحكومي والسياسي لوزير الخارجية جبران باسيل في إجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي كان مخصّصاً لإدانة الهجوم على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.
والذي استهلّ فيه باسيل سلسلة المواقف من الأزمة عبر الإمتناع عن التصويت على البيان النهائي رغم الإجماع العربي على مضمونه والتحفظ عن الفقرة التي اتهمت حزب الله بالإرهاب.
وهو ما قاد باسيل الى سلسلة المواقف الملتبسة اللاحقة وصولاً الى موقفه الأخير في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في جدة الذي شكل النقطة التي طفح فيها كيلُ المملكة وجيرانُها الخليجيات.
من هذه الزاوية بالذات يدور الحديث في الكواليس عن عدم وجود موعدٍ لإستقبال سلام في الرياض بعد تحميله مسؤولية ما آلت اليه العلاقات بين البلدين من دون أن يتفهّموا مواقفه التي أطلقها منذ ذلك الحين نافياً أن يكون باسيل قد نسق معه مواقفه الأخيرة.
فقد أكد سلام عبثاً أكثر من مرة، قبل بيان مجلس الوزراء الإثنين الماضي وبعده، أنّ مواقف باسيل جاءت بمبادرة فردية لم يفهمها هو بعد، وأنه لا يُلام على ما وصلت اليه العلاقة بين البلدين وما آلت اليه القرارات السعودية والخليجية العقابية والمالية والديبلوماسية التي لم تنتهِ بعد.
ليس في ما سبق من عرض ما يمكن التشكيك به، فكلّ مَن أدلى بدلوه كان واضحاً، لا بل فقد سارع المعنيون جميعاً بالأزمة الى التشديد على سلسلة المواقف التي أطلقوها بلا أيّ تراجع. وتزامنت التأكيدات مع ارتفاع لهجة حزب الله الهجومية على المملكة ومعها الحملة الإعلامية غير المسبوقة التي صبّت الزيتَ على نارِ الأزمة ما جعل رئيس الحكومة في وضع حرج لا يحسده عليه أحد.
فقد وقف سلام وحيداً الى اليوم عاجزاً عن تدارك القضية ولملمة تداعياتها الخطيرة وسط جوٍّ محموم من المزايدات من أهل البيت وبعض أطراف الحكومة وخارجها، رغم علم الجميع أنه لا يمكنه السير بعيداً في مواقفه أكثر من التهديد بالتخلّي عن المسؤولية في قيادة المرحلة ملقياً اللوم على باسيل وحزب الله متّهماً إياهما بالخروج على الحدّ الأدنى من التضامن الحكومي الذي عبّر عنه بيانُ الحكومة الأخير.
وهو الذي عُدَ في مضمونه «شعراً وأدباً مصفوفاً» لم يُرضِ المملكة أيضاً، ولم يفتح كوة في جدار الغضب السعودي الذي يُنذر بكثيرٍ من النتائج السلبية على مصالح اللبنانيين من كلّ الفئات، ولن تقف ردات الفعل هذه المرة عند الشيعة العاملين في الخليج «فقد وصل الموس الى ذقون الجميع».
أمام هذه المعادلة السلبية والخطيرة ثمّة قراءتان متناقضتان: الأولى تقول إنّ حزب الله لن يشارك في البحث عن أيّ مخرج للأزمة ولن يتجاوبَ مع أيّ طرحٍ شبيه. فما يجري في سوريا واليمن والعراق يضعه في موقع المنتصر ولن يقبل بالتراجع عن موقفه قيد أنملة بدليل ارتفاع اللهجة السياسية ضدّ المملكة وفي التعاطي مع كلّ الأطراف المؤيّدة لها.
والقراءة الثانية تقول إنّ الحزبَ لا يمكنه المضي أكثر في المواجهة، ولا بدّ من الوصول الى محطةٍ ما يلتقي حولها مع بقية المسؤولين لإعادة فتح أبواب الحوار مع الرياض والتي أوصدتها ومعها دول مجلس التعاون الخليجي في وجه لبنان بكلّ الأقفال التي تمتلكها على المستويات كافة.
وبناءً على ما تقدّم، لا يكفي القول إنّ الحاجة ماسة الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية لوضع حدّ لثنائيات وثلاثيات المواقف اللبنانية المتناقضة وتلافي كلّ هذه الأزمات.
فالأزمة باتت أعمق وتسبق بنتائجها أيّ تفاهم على انتخاب الرئيس، خصوصاً إذا أقدم سلام على خطوته الحازمة في الأيام المقبلة. وإذا صحّت قراءة وزير الخارجية جبران باسيل للموقف السعودي كما يفهمه، بالقول: «لنفترض أنّ لبنان رهينة بأيدي حزب الله وإيران فلا تقتلوا الرهينة!!»… ويستدرك فيقول: «لبنان لديه ضعف فساعدوه ليكون قوياً!» فهل مِن مجيب!؟