في ظلّ الشغور الرئاسي يتوجّه رئيس الحكومة تمام سلام اليوم إلى الرياض للمشاركة في أعمال القمّة العربية – الأميركية اللاتينية متسلّحاً بإنجازات سابقة في القِمتين السابقتين. فلبنان أكثر مَن يترجم بتركيبته الطائفية والثقافية والحضارية ما يميّز مجموعتين من الدوّل الإسلامية والمسيحية ستلتقيان اليوم وغداً. فما هي نقاط القوّة التي يستند إليها الوفد اللبناني؟
هي القمّة الرابعة لمجموعة الدول العربية والأميركية اللاتينية بعد انطلاقتها في 10 أيار العام 2005 من برازيليا البرازيلية. ومن بعدها القمّة الثانية في الدوحة القطرية في 31 آذار من العام 2009 والثالثة عُقدت في مدينة ليما عاصمة البيرو في 3 تشرين الأوّل 2012 قبل أن تعقد في الرياض للمرّة الرابعة اليوم وغداً.
وفي القِمّتين الأخيرتين حضَر لبنان بقوّة جسراً ديبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً قوياً بين مجموعة الدول العربية من جهة ومجموعة دول أميركا اللاتينية التي تحظى بحضور مسؤولين من أصول لبنانية وجاليات كبيرة تدير وتعمل في كلّ المجالات السياسية والاقتصادية والمالية، ما جعلَ مشاركة لبنان هذه المرّة مميّزة على أكثر من مستوى وصعيد كما في القمّتين السابقتين.
ففي القمّة الثالثة في ليما كان لبنان ممثّلاً للمجموعة العربية، ولذلك شهدَت القمّة حضوراً لبنانياً فاعلاً وبارزاً ترجَمته المقرّرات النهائية التي تبنّت مقترحات لبنانية عدّة ضاع بعضها في غمرة أزمات العالم العربي في ربيعه الدموي ما أدّى الى إعطاء قمّة اليوم وغداً التي ستشكّل امتداداً طبيعياً للقمّتين الأخيرتين معنىً آخر في الشكل والمضمون.
وللتذكير، فقد أقرّت القمة الثالثة قبل ثلاثة أعوام في «إعلان ليما» الختامي بعضاً من الاقتراحات اللبنانية التي تقَدّمَ بها الرئيس ميشال سليمان بشأن إنشاء أمانة عامة لمجموعة الدول العربية واللاتينية مقرُّها بيروت، نواتُها مجموعة التنسيق الدولية بين المجموعتين، وإنشاء مصرف استثماري يكون مرتبطاً بالمصارف الوطنية وبإمكانه تمويل مشاريع مشترَكة للمجموعتين الأميركية والعربية لتعزيز كلّ أشكال العلاقات الاقتصادية والمالية والاستثمارية بين المجموعتين.
وإلى المقترحات الاقتصادية والإدارية التي لم تترجَم بسبب الأزمة السورية تبنَّت القمّة ما تمنّاه الرئيس سليمان باسم المجموعة العربية «اقتراحاً بتشريع دولي تَقدّمَ به لبنان عبر الجامعة العربية يَهدف إلى تحريم وتجريم الإساءة إلى الأنبياء والرسل، احتراماً لحرّية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية في إطار احترام الحرّيات العامة وحقوق الإنسان».
وقد جاءت هذه المقترحات في توقيتها الصحيح والدقيق باعتبار أنّ القمّة جَمعت بتكوينها الطبيعي مجموعةً من الدول الإسلامية والمسيحية بهدف مواجهة ردّات الفعل التي شهدتها في تلك المرحلة مدن عربية وأسلامية مختلفة على ما اعتُبر «الإساءات إلى النبي محمد» من خلال الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية وفي عواصم اوروبية اخرى ومظاهر حَرق القرآن في الولايات المتحدة الأميركية التي أربَكت عواصم عدّة في المجموعتين.
وتأتي مشاركة لبنان في قمّة الرياض بوفد يضمّ، بالإضافة الى الرئيس سلام، عدداً من الوزراء يمثّل المكوّنات الطائفية في لبنان ليكون مشاركاً إلى جانب ممثّلين عن 33 دولة، 21 منها عربية، باستثناء سوريا المجمّدة عضويتُها في جامعة الدول العربية و12 دولة من أميركا اللاتينية.
ويصطحب الوفد اللبناني معه سلسلةً مِن التقارير- الملفات التي أعدّها فريقا الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية التي عايشَت القمّتين الأخيرتين بكامل تفاصيلها وكواليسها، ما يؤهّل الوفد اللبناني ليكون من أبرز المشاركين في القمّة.
وسيُضاف إلى هذه العناصر المقوّية عنصر آخر، فلبنان اليوم يَشهد كونه من دوَل الجوار السوري والأكثر تأثّراً بالأزمة السورية بتردّداتها السلبية بعدما تحوّلَ مسرحاً طبيعياً لها على المستويات الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية والأمنية.
كما بالنسبة الى ملف النازحين واللاجئين السوريين المطروح بقوّة على جدول أعمال قمّة الرياض بعدما طغَت الأزمة نفسُها على أعمال قمّة ليما وهي في عامها الأوّل ولم تكن الأحداث فيها قد أخذت المنحى الدرامي على المستويات الإقليمية والدولية الذي بلغَته هذا العام قبل تورّط القوات الروسية في الأزمة بعد دوَل الحلف الذي قام لمواجهة داعش وأخواتها وما تركَته من انعكاسات على العلاقات الدولية.
وبناءً على ما تقدّمَ لن يُفاجَأ المراقبون بأن يستحضر الرئيس سلام في كلمته أمام القمّة بعضاً من العناوين التي حملها الوفد اللبناني الى قمّتَي الدوحة وليما في الشكل والمضمون.
فالملفات الكبرى ما زالت هي هي، حتى إنّ الأزمات التي يَشهدها العالم العربي ودوَل أميركا اللاتينة تتشابه إلى الحدود القصوى في النموّ الديموغرافي السريع ونسَب البطالة ومستويات الفقر، كما في الأزمات الاقتصادية والنفطية ومواجهة الإرهاب بنوع خاص، فلكلّ منها تجربته ومعاناته.
عدا عن معايشتهما للأزمات الدولية الكبرى المعَولمة في الطاقة والنفط والإنماء ووقوعها على خط الزلازل الدولية التي تتحكّم بمعظم أنظمة العالمَين العربي والأميركي – اللاتيني.