إذا كانت البلاد الغارقة في نفاياتها قد انشغلت في متابعة آليات معالجة هذه الأزمة وسط مناخ سياسي محموم مهدد بالانفجار على خلفية تلويح رئيس الحكومة بالاستقالة، فإن أزمة النفايات المستفحلة أبرزت واقعاً مأسوياً يعكس حجم الانحلال والانهيار الذي بلغته الدولة مؤسسة وقيادة وسلطات وشعب.
صحيح ان أزمة النفايات دخلت في بازار الخلافات السياسية، مستدعية معالجة سياسية في الدرجة الأولى لتغطية القرارات والإجراءات التقنية المطلوب إتخاذها لاحتوائها، لكنها عكست الواقع الميؤوس منه الذي بلغته البنى التحتية المستهلكة فوق طاقتها وفي غياب أي إستثمارات جديدة لصيانتها وتحسينها وتطويرها.
فوسط كل المعمعة التي أثارتها أزمة النفايات، بدا كل الاهتمام السياسي منصبّا على كيفية لمّها وجمعها والبحث عن مكان لطمرها، وسط مناخ من المزايدات السياسية من عدد من القوى الرافضة إستقبال نفايات العاصمة. وبلغت الأزمة حدودا تهدد بإستقالة رئيس الحكومة العاجز عن تطبيق أي قرار من دون موافقة القوى السياسية مجتمعة، اذ لم تعد المسألة متوقفة على النفايات بل أصبحت أزمة صلاحيات وأزمة ثقة، بما ان أي فريق لا يثق بالآخر لتقبل نفاياته في منطقته. والصورة المأسوية المعبرة عن هذا الواقع هي تحول ٨٦١ منطقة من لبنان الى مكبات عشوائية لا تراعي الشروط والمعايير الصحية.
تعزو مصادر سياسية بارزة المشكلة إلى تقصير الدولة في تحمل مسؤولياتها وتلهي المسؤولين فيها بالتقاذف السياسي بدلا من التخطيط ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بتسيير الدولة وشؤون المواطنين، حتى تحولت البلاد الى ” الدولة المدينة” او ما يعرف ب” city state”، على غرار ما كانت عليه أوروبا سابقا، علما ان الوضع في لبنان بلغ حدود الدولة الحي او الشارع لا المدينة!
ورأت المصادر ان غياب التخطيط لملف النفايات أدى الى تفاقم هذه المشكلة وبلوغها هذا المستوى، مشيرة الى ان المشكلة برزت في القرار الرسمي الذي اشترط تلزيم المطامر للقطاع الخاص من ضمن المناقصة، علما ان مسؤولية تحديد مواقع المطامر يجب ان تكون على الدولة خصوصا بالنسبة الى العاصمة، وهذا ما منع أي شركة من التقدم لمناقصة بيروت.
وينتظر ان ينسحب هذا التقصير الذي تزامن مع مناخ سياسي مشحون على جلسة مجلس الوزراء غداً الثلثاء، المخصصة للبحث في هذا الملف.
ومعلوم ان هذه الجلسة لن تخلو من المناخ التصعيدي المتشنج خصوصا أنها تنعقد على خلفية إستكمال البحث في مسألة آلية العمل الحكومي، كما تنعقد بعد موجة التصعيد الي قابل فيها “حزب الله” تلويح الرئيس تمام سلام بالاستقالة. إذ جاء في كلام للأمين العام للحزب ان استقالة الحكومة لن تقدم ولن تؤخر، داعيا سلام وتيار “المستقبل” الى الحوار مع “التيار الوطني الحر”.
وفي هذا الكلام، اكد الحزب ان موقفه الداعم لرئيس التيار العماد عون لن يتوقف على الدعم السياسي، بل يصل الى حد تعطيل الحكومة، ولكن بفارق ان التعطيل لا يتحمل مسؤوليته الحزب او عون بل رئيس الحكومة.
وفي حين تجنب سلام الرد على نصر الله أمام زواره الذين سألوه عن الموضوع، اكد ان كل الخيارات لا تزال مفتوحة أمامه وان تلويحه بالاستقالة ليس ناجما عن رغبة في المناورة او الضغط بل هو نتيجة انزعاج حقيقي لديه من الأوضاع التي آلت اليها الحكومة في ظل التعطيل الذي تتعرض له ويمنعها من الإنتاج.
وينقل الزوار عنه تساؤله عن الفائدة المرجوة من الحكومة إذا كانت ستظل في مناخ التعطيل المقنٓع الذي تمارسه بعض مكوناتها.
ولمس هؤلاء ان سلام لا يزال يتريث حتى الثلثاء ليرى الأجواء التي ستسود الجلسة. فإذا ظهرت نية حقيقية للتجاوب والعمل من اجل تفعيل الحكومة، فهذا أمر جيد، وإذا كانت الأمور مستمرة في إتجاه التعطيل، فإن رئيس الحكومة سيدرس جيدا خياراتها ويتخذ ما يحافظ على كرامته وعلى موقع رئاسة الحكومة، إنطلاقا من رفضه ان تكون مكسر عصا او يكون هو نفسه أسير الصراعات السياسية.