يكاد الرئيس تمام سلام يجد في ملف العسكريين المخطوفين اعداء من الخارج برسم التفاوض معهم، وخصوماً في الداخل يحتاج الى ان يقنعهم بأن ثمة فارقاً بين التفاوض واللاتفاوض، بمثل الفارق بين التفاوض والمقايضة
اكثر من سبب يحمل رئيس الحكومة تمام سلام على وصف ملف خطف العسكريين اللبنانيين بالشائك والمعقد، من غير ان يفقد الامل في حل من مكان ما. يعيد تكرار عبارة انه لا يحمل عصا سحرية، ولا الملف يُسوَّى بعصا كهذه. وخلافا لتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» اللذين يحاولان ان يفرضا عليه وعلى الحكومة اللبنانية معادلة حياة العسكريين او قتلهم، يوازن سلام بين حياة العسكريين وهيبة الدولة . يريد الاثنتين ولا يحتكم الى المفاضلة بينهما.
يقول: «مسار التفاوض حرج ودقيق تتداخل فيه مسائل شتى، أولها مكانة الدولة وخلافات القوى السياسية على الملف والتعامل مع تنظيمات ليست دولة ولا جهات رسمية ولا فريقاً واحداً، بل مجموعة قوى لا تتردّد في الاقدام على اي عمل وحشي وغير انساني. ومع انها مسائل لا تساعدنا كثيرا على التفاوض، نحاول تجاوز كل العقبات والمعطيات غير المريحة لتحقيق تقدم ما، سواء بقدراتنا الداخلية او الاستعانة بالخارج. ولنا معه تجارب سابقاً ادت الى نتائج مرضية. لسنا هنا في معرض ما تشهده الحروب بين الدول عندما تتبادل اسر العسكريين، بل امام قتل وحشي وتهديد بالقتل وبمزيد منه. الوضع اذاً معقد وصعب بأبعاده المختلفة. لذلك فان الدقة والعناية واجبتان في سبيل تحقيق اي تقدم، وهذا سيستغرق وقتا طويلا».
يضيف رئيس الحكومة: «منذ البداية قلت انني لست في موقع يتيح لي قطع وعود لاحد، لأن اي التزام في ظل معطيات كهذه غير واقعي. آخذ في الاعتبار ايضا المستجدات الامنية على الارض التي تفتعلها هذه الجهات بغية تعريض الاستقرار للاضطراب. الظروف تتقلب بسرعة. الا ان الهاجس الاكبر هو اهالي العسكريين المخطوفين الذين لا يسعنا الا ان نتعاطف معهم ونتضامن ونشاركهم هواجسهم وقلقهم بأبعادها كلها. لم اخف يوما في مقابلاتي معهم، افرادا وجماعات، الواقع الصعب الذي نواجهه في هذا الملف. قلت منذ البداية ان اوراق القوة بين ايدينا هي تضامن الجميع في الداخل ونحن، اي الحكومة وعائلات العسكريين والجيش والقوى الامنية والافرقاء السياسيين، نواجه عدواً خارجياً. ما لم نكن يدا واحدة، اي تفاوض نتوقع؟ بكل واقعية اقول ان فريق الخاطفين يستخدم هذه اللعبة ويمارس الضغوط عبر احداث الشرخ الداخلي بالاتصال المباشر بأهالي المخطوفين، او من خلال وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، ناهيك بالسيف المصلت فوق رؤوس العسكريين وايهام الاهالي بأن المشكلة لم تعد بينهم وبين الخاطفين، بل بين الاهالي والدولة ما يشير الى المدى الذي بلغه هذا الملف الشائك».
إلامَ افضت اتصالاته مع دول قادرة على التوسط لدى الخاطفين لاطلاق العسكريين؟ يقول: «تحركنا هذا بناء على ما جربناه في الماضي القريب من خلال دوري قطر وتركيا في ملفي اعزاز وراهبات معلولا ولم يقصّرا. من هنا توجهي بالطلب منهما التوسط مجدداً.
يقتضي ان لا نحمّل الوساطات الخارجية أكثر مما يجب ان تحمل
القطريون تجاوبوا بحذر رغم تبدل موقف حكومتهم من الخاطفين، كذلك الاتراك الذين تحفّظوا بداية الامر بسبب وجود اسرى اتراك لدى التنظيمات المتطرفة. لكنني جددت توجيه الطلب منهم التوسط بعد اطلاق اسراهم، فأظهروا استعداداً للمحاولة. لا تزال الوساطة القطرية قائمة من ضمن جهود وامكانات محددة. يقتضي ان لا نحمّل الموضوع اكثر مما يجب ان يحمل. من جانبنا نسعى الى توفير قنوات تواصل. الامر ليس بالسهولة التي يظنها البعض، من دون اغفال اعتبارات شتى تتداخل، علماً انني قلت سابقاً ان الملف موضوع بين ايدي رئيس الحكومة ووزير الداخلية والمدير العام للامن العام نظراً الى دقته وحساسيته اللتين توجبان حصر المتابعة بفريق صغير ضيق غير فضفاض حرصاً على سرية الجهود والتفاوض والتكتم الضروري لانجاح خطواتنا. نعرف بوجود كثيرين يسعون الى تعطيل التفاوض، ويريدون الحؤول دون التوصل الى نتائج ايجابية بموقف من هنا واتهام من هناك بغية استثمار تعطيل الهدف الذي نتوخاه، وهو اطلاق العسكريين».
هل يشعر بأن افرقاء الحكومة لا يساعدونه، يجيب سلام: «انا متيقن من صراع سياسي قائم في البلد لا يمكن انكاره ولا يخفى على احد، وهو مستفحل في كل الاستحقاقات السياسية والوطنية. يهادنون ويمررون مسائل يلتقون عليها شأن ما شهدناه في جلسة مجلس النواب اخيرا، وقبل ذلك في اجتماعات الحكومة، ويقفون حائلا دون سواها. نعي واقعنا الضعيف والمنقسم، ونحاول من خلاله ان نستمد قوة ووحدة صف وكلمة. الا ان ذلك لا يمنع وجود الصراع بين القوى السياسية وتشكيك بعضها في بعضها الآخر. تحت وطأة هذا الانقسام نواجه قضية خطف العسكريين ونحن نبصر الافرقاء، كل على طريقته، يحاول استغلالها بالتعبئة والتحريض والحصول على مكاسب وحسابات محلية ضيقة. ملف العسكريين ليس سلعة سياسية للتداول، ولا يمكن اخضاعه لمبررات خلافاتنا ومقوماتها».
الى اي مدى يعتقد بأن احداث بريتال تركت تداعيات على ملف التفاوض وعلى الاستقرار الداخلي، يجيب سلام: «كل ما يحصل في بريتال، او في عرسال، او في مناطق اخرى كجزء من المواجهة مع الارهابيين، تكون له تداعيات على التفاوض، وعلى الموقف الداخلي ووحدة الوطن، وعلى المواجهة مع الارهاب بالذات. هذا الطراز من الارهابيين اسقط انظمة ودولا وغيّر شعوباً وهاجم اقليات واثنيات وطاول طوائف برمّتها. اذا لم نكن واضحين في مواجهتنا وموحدين، بالتأكيد سندفع ثمناً غالياً جداً، وهو ما يتعين ان يكون جلياً للجميع من دون استثناء. المرحلة حرجة، ويقتضي ان لا تكون هناك اي فسحة ـ وان صغيرة ـ لصراعاتنا الداخلية ونحن نجبه الارهاب المستفحل. من هنا دعوتي الى انتخاب رئيس للجمهورية لاستكمال قواعد نظامنا ومؤسساتنا وضمان استمرارها، وهو الحد الادنى المطلوب لمواجهة كهذه، خصوصاً ان معطيات وفيرة تشير الى ان مرحلة المواجهة مع الارهاب طويلة، ولن تقتصر على اسبوع او اثنين او شهر او اثنين».
… والى العائلات: لا تتركوا أحداً يضعكم في مواجهة
توجه الرئيس تمام سلام الى عائلات العسكريين المخطوفين بالقول: «لا اطلب من الاهالي ان يثقوا بالحكومة، بل ان لا يضعهم احد في مواجهتها. ليست هي الخصم والعدو والمعتدي. الثقة الكاملة بالحكومة يجب ان تستند الى مقدرتنا على انجاز الملف وهذا ما لم يحصل بعد. تعهدت العمل عليه ومتابعته بكل ما يحتاج من تفاوض للوصول الى الخاتمة المرجوة. منذ البداية قلت ان احدا لا يستطيع ان يضمن، في ظل الممارسات الوحشية للارهابيين، النتائج على نحو نهائي. الثقة مطلوبة بمقدار ما يسع الحكومة عمله. ماذا للاهالي ان يفعلوا سوى ذلك: ان يثقوا بالخاطفين الذين قتلوا ابناءهم. هل هذا هو المطلوب؟ على الجميع الوثوق بالدولة ووحدة الصف الداخلي، وارادة الحكومة استرداد العسكريين لا التسبب في اضعاف موقفها والقوى الامنية. الهدف الرئيسي للارهابيين ليس خطف عسكري او اثنين او عشرة، بل تقويض استقرار البلد. خطفوا عرسال، وحاولوا خطف بريتال، ويريدون خطف كل لبنان ان تسنى لهم على خلفية تبايناتنا السياسية. كل ما اطلبه تفهم العائلات دقة الموقف الحرج، وان يعلموا كذلك بأن خلافاتنا الداخلية وعدم الثقة بالحكومة والدولة لن تعيد اليهم ابناءهم. عليهم ايضا وايضا ان لا يساعدوا الافرقاء السياسيين على استغلالهم كسلعة سياسية».