مع ان تأليف الحكومة مرجّح قبل ولوج الشهر السادس منتصف الاسبوع المقبل، يبدي الرئيس تمام سلام تحفظه عن طريقة ادارته. يلاحظ انها المرة الاولى يؤتى بعُرف المعايير كي ينتقص من صلاحيات الرئيس المكلف. مع يقينه انها ستبصر النور، بيد ان خشيته تكمن في ارساء السابقة
يكاد يكون الرئيس تمام سلام وحده من بين اسلافه وخلفائه تطلّب تأليف حكومته عشرة اشهر وتسعة ايام، وهي مدة قياسية. بيد ان ما قد يشفع بمهلة غير مسبوقة، ان البلاد كانت تتحضّر للشغور الرئاسي اكثر منها تكليف الحكومة الجديدة اجراء انتخابات نيابية عامة وقتذاك، عام 2014. وهو ما وقع بالفعل. لم تجر الانتخابات النيابية ووقع الداخل في محظور الشغور. لا يمنع ذلك سلام من القول ان القاعدة التي وضعها منذ اليوم الاول للتكليف في 6 نيسان 2013 – وهو ما درج الآن على تسميته معايير – استقر عليها التأليف بعد وقت طويل، وإن بكلفة عالية هي الاشهر العشرة.
عندما يراقب سلام السجالات الدائرة حيال معايير تأليف الحكومة الجديدة، والنزاعات القائمة من حول تقاسم الحصص والحقائب، يستعيد تجربته ما بين عامي 2013 و2014.
يقول: «ما يجري اليوم غير مقبول. مرة نسمع رئيس الجمهورية يضع معايير التأليف واخرى رئيس كتلة يضعها. لا احد يضع معايير التأليف الا الرئيس المكلف. لأنه هو الذي يؤلفها، فهو الذي يضع المعايير. لرئيس الجمهورية توقيع المرسوم والموافقة على التشكيلة التي يسلمه اياها الرئيس المكلف، او الاعتراض عليها وعدم اصدارها. ليس هو في كل حال مَن يؤلف، ولا تالياً مَن يضع معايير. ابان مرحلة تكليفي، انا مَن وضع قواعد التأليف ومعاييره وكان الرئيس ميشال سليمان الى جانبي ودعمني وفرضناها. قلت بثلاثة معايير: حكومة من 24 وزيراً، مداورة الحقائب، لا ثلث+1 لأي فريق. تطلّب الامر عشرة اشهر كي يسلّم الافرقاء بهذه المعايير التي وضعتها في اليوم الاول، وابصرت الحكومة النور في ضوئها. ليس خافياً ان البعض كان يريد حكومة ثلاثينية فرفضت، واصررت على حكومة ثلاث ثمانات مثالثة بين الوسط اي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووليد جنبلاط وفريقي 8 و14 آذار. اصررت على المداورة في توزيع الحقائب وخصوصاً السيادية فحصلت عليها، بحيث لم يحتفظ اي فريق بالحقيبة السيادية التي كانت له من الحكومة السابقة. بدّلت الحقائب: المال من تيار المستقبل الى حركة امل، الخارجية من حركة امل الى التيار الوطني الحر، الدفاع من تيار المردة الى رئيس الجمهورية، الداخلية من رئيس الجمهورية الى تيار المستقبل. رفضت اعطاء اي فريق الثلث+1 فلم يحصل عليه احد، رغم ان هذه المشكلة ارتبطت بتشبّث قوى 8 آذار بالنصاب الموصوف بينما رفض فريق 14 آذار تمثيل حزب الله في الحكومة، فانتهى الامر بتراجعهما عن موقفيهما. لا قوى 8 آذار اخذت الثلث+1 ولا قوى 14 آذار، وكانت طرحت في ذلك الحين معادلة 9 – 9 – 6، فرفضتها ايضاً».
يضيف: «في المعايير الثلاثة لم اتنازل لاحد عن اي منها، وكانت حكومتي آنذاك بلا تنازلات. اعتقد ان هذا ما يقتضي ان نصل اليه في الحكومة الجديدة. ان نصل الى حكومة 3 عشرات ليس فيها غلبة لفريق على آخر، او نصاب الثلث+1، على طريقة ثلاث ثمانات».
لا يحسد سلام الرئيس المكلف سعد الحريري على الصعوبات التي يواجهها: «هو في المركب الخشن. يواجه عراقيل في الداخل، زائداً تطورات متسارعة في المنطقة وضعتها في مرحلة اللاتوازن على مستوى اللاعبين الاساسيين. شئنا ام ابينا، الكفة ترجح الى الجهة المتمثلة في التحالف الروسي – الايراني – التركي الذي اعاد احياء النظام السوري بقوة. المنطقة تتغير، والحري بلبنان ان يتأثر كما تقليدياً ويتفاعل مع محيطه، ناهيك بظهير عربي بات في هذه الايام منقسماً على نفسه».
مع ذلك يسجّل الرئيس السابق للحكومة ملاحظات على مفاوضات التأليف:
اولها، ان الحريري «يقاتل معرقليه لكن بأسلوب ايجابي بنّاء، مع ان شارعه وانصاره لا يوافقونه دائماً عليه، فيما يجبه فريقاً آخر تتملكه نزعة التسلط والتمسك بالتعطيل التي قادته الى رئاسة الجمهورية، ولا يزال يثابر عليها. المشكلة ان الرئيس الحريري شريك لهذا الفريق، والشراكة تقضي بأن تكون متكافئة».
ثانيها، كإحدى تداعيات فقدان توازن الشراكة بين مبرمي تسوية 2016 ان المستقبل «هو الوحيد الذي خرج من الانتخابات النيابية خاسراً. الفريق الشيعي حصد كل مقاعد طائفته. كذلك الفريق الدرزي. المسيحيون تقاسموا مقاعدهم. وحدها المرجعية السياسية للسنّة التي يمثلها تيار المستقبل – وكانت كتلته من 34 نائباً – تراجعت الى 20 نائباً. لم يخسر كتلة سنّية من عشرة نواب فقط، بل ان جزءاً اساسياً من هؤلاء في المقلب المناقض لتيار المستقبل، يتربصونه. الاسباب كثيرة، لكن ابرزها قانون الانتخاب الذي دفع وحده كلفته، بينما استفاد منه الافرقاء الآخرون. بذلك يقاتل الرئيس الحريري على معظم الجبهات تقريباً».
رئيس الجمهورية يوقع المرسوم ولا يؤلف الحكومة او يضع معاييرها
ثالثها، ربما في الامكان «تفهّم مبرّرات عدم رغبة الرئيس الحريري في الذهاب بعيداً، الى حد فسخ الشراكة التي ارساها مع الفريق الآخر. اذا فعل مَن المستفيد؟ مع ذلك لا يكف الفريق المتسلط عن القول انه لن يمس اتفاق الطائف، لكن في الممارسة يطيحه تماماً. ماذا يعني اذا ان تُوجّه من قصر بعبدا في مطلع عهد حكومة تصريف الاعمال دعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، قبل ان يصير الى تدارك الامر وتسحب بعد ساعتين، لأن الدستور ينص على ان رئيس مجلس الوزراء هو مَن يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد. ماذا يعني سوى اطاحة الطائف الكلام عن اعراف لتكريسها. مرة الثلث+1 عرف، ومرة حصة رئيس الجمهورية عرف. عندما وُضع اتفاق الطائف كان لإلغاء الاعراف وليس تثبيتها على هامشه. اتفاق الطائف هو التزام بنوده حرفياً وليس نسفها. كنا نطالب الرئيس ميشال سليمان بحصة له في مجلس الوزراء من اجل تكوين كتلة وسطية بين فريقي 8 و14 آذار. على مرّ تجاربنا منذ اتفاق الطائف، لم يكن للرئيس حزب او كتلة نيابية، ولم يكن حزبياً ومنحازاً الى فريق. لأنه رئيس البلاد والمرجعية، لا يصح القول بوزراء له ووزراء ليسوا له. كل مجلس الوزراء ينبغي ان يكون له».
يضيف سلام: «اللافت ان الطرف الذي يعرقل للرئيس الحريري منذ خمسة اشهر تأليف الحكومة، هو نفسه الذي خبرتُ العرقلة نفسها معه. في المرة الماضية كان خارج الرئاسة. اليوم يفعل ذلك من الداخل وهو على رأس الحكم. لكن النتيجة واحدة. لم يكن الرئيس سليمان يتصرف معي على هذا النحو. كان وسطياً غير منحاز. معاً ألّفنا حكومة حيادية، لم نكن واثقين من انها ستنال ثقة مجلس النواب، او ستنجح في مهمتها. ثم اتت الاستحقاقات المتتالية. بحسب الدستور، رئيس الجمهورية يساعد الرئيس المكلف ولا يقف في طريقه».