عندما يكون «الديوان الحكومي» مرآة الميدان السوري
هل يحق لسلام تقديم استقالته؟
هل انتهت مرحلة «التوافقي تمام سلام»؟ كثر يملكون الإجابة في الداخل والخارج، لكن وحده تمام سلام يملك القدرة على إعلانها. وبالرغم من أن التلويح بالاستقالة ما يزال جزءاً من أوراق الضغط، لكن الأكيد أنه إذا ظلت الأمور على حالها، فإن كل الأبواب ستغلق في وجه استمرارية الحكومة، التي فقدت أبرز عناصر حمايتها، أي الهدنة بين «التيار الوطني الحر» و «المستقبل». وهي هدنة ساهمت أساساً في تشكيلها وصياغة بيانها الوزاري.
في العلن، بدأت الأزمة على خلفية التعيينات الأمنية التي أصر العونيون على أن تكون أول ما تتم مناقشته، بعدما لسعوا من التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي، كما لسعوا من تراجع الرئيس سعد الحريري عن وعد يؤكد العونيون أنه قطعه لهم. ذهب «المستقبل» بالاتجاه المعاكس داخلاً في قلب معركة «إقصاء الجنرال»، وهي أزمة بدا واضحاً أن مقدماتها سبقت أزمة التعيينات.
أحد السياسيين المراقبين، يصعب عليه النظر إلى ما يجري، إلا من بوابة المحيط الملتهب. وبدلاً من نقطة التحول المسماة «تعيينات»، يرى أن ثمة نقاط تحول أكثر تعبيراً كـ «جسر الشغور» أو «حلب» أو «إدلب».. وعليه، يقول إنه منذ سيطرت المعارضة على جسر الشغور، صارت «14 آذار» أكثر تشدداً في الحكومة. وبالرغم من أن أزمة التعيينات كانت الصاعق الذي فجّر المشكلة، إلا أن ثمة من لا يرى في سعي «المستقبل» وسلام لتغيير آلية عمل مجلس الوزراء، وزيادة الحديث عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء سوى انعكاس لإحساس بأن سقوط النظام في سوريا قد اقترب. وهذا الإحساس سرعان ما تعزز مع «عاصفة الحزم» والانتصارات المتنقلة للمعارضة السورية.
وقع «الميدان» على «الديوان» لم يكن من ناحية واحدة. «8 آذار» التي هادنت في البداية، عادت وحملت انتصاراتها في القلمون وجرود عرسال ثم الزبداني إلى مجلس الوزراء، بما ساهم في استمرار ترك القرار الحكومي بيد الميدان السوري. ولم يكن ينقص الوضع الحكومي الهش سوى الاتفاق النووي، الذي سارع كل طرف إلى قراءته بما يتناسب مع مصالحه، واثقاً أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستثبت انتصاره في الداخل. «المستقبل» يرى أن التسوية ستفرض على إيران التنازل في لبنان لصالح السعودية، وبعض خصومه يعتبرون أن السعودية لن تستطيع الحصول على أي تعويض سوى في اليمن، حيث يتوقع إعادة الاعتبار لشرعية عبد ربه منصور هادي مقابل تثبيت موقع الحوثيين في النظام.. وهو ما بدأت تباشيره بالظهور من خلال تراجع الحوثيين من مناطق عديدة في عدن.
هنا تحديداً يصير الكباش اللبناني مفهوماً أكثر، ويصير «الانقلاب» على آلية عمل مجلس الوزراء والتلويح بالاستقالة جزءاً من المعركة، التي حافظت على زخمها، بعدما لم تترجم التطمينات التي نقلتها «القوات» إلى الرابية ربطاَ بزيارة سمير جعجع إلى السعودية حكومياً، حيث استمر سلام و «المستقبل» على موقفهما الرافض للتفاهم مع عون على الآلية.
أمس أعطى الرئيس بشار الأسد بعداً جديداً للأزمة. الخطاب عالي النبرة الذي قدمه، والذي لا يمكن عزله عن الاتفاق النووي وعن التطورات الميدانية، له انعكاس مباشر على الصراع المحتدم في الحكومة. سلوك «8 آذار»، ولاسيما «حزب الله»، لا يوحي أن القلق من سقوط حكومة سلام ما يزال كما كان، وإن حرص السيد حسن نصر الله على التأكيد «اننا نريد لهذه الحكومة أن تعمل لا أن تسقط».. قبل أن يحذر خصومه من إسقاطها بأيديهم.
ومع ملاحظة لجوء الرئيس نبيه بري إلى «فضيلة الصمت»، وتهديد سلام، ومن خلفه «المستقبل»، بقلب الطاولة، ومع تسليم العونيين بأن معركتهم لم تعد معركة قيادة الجيش، ومع عدم قدرة أحد على نزع عناصر التفجير التي تحملها الحكومة من الداخل.. يبدو أن الجميع صار مقتنعاً بضرورة العودة إلى المربع الأول.
كيف يتم ذلك؟ قد يكون لاستقالة سلام إذا حصلت، وقع استدراج إيران والسعودية لتعديل أولوياتهما ورفع الملف اللبناني من الدرجة الرابعة بعد اليمن والعراق وسوريا، بما يسمح بتمرير مشكلته كونها لا ترقى إلى مستوى المشكلات الأخرى. ولكن وربطاً بالثقة بان سلام لن يقدم على خطوة من هذ النوع بدون التنسيق مع السعودية، فإن الاستقالة قد تكون استدراجاً سعودياً لإيران لبدء الحديث سريعاً بالتسوية اللبنانية، بعدما يتحول البلد برمته إلى الفراغ.
لكن أمام الراغبين بقلب الطاولة، إذا كانوا جديين بتهديدهم بالاستقالة، مجموعة كبيرة من الالتباسات المطلوب الإجابة عنها. لمن سيقدم سلام استقالته، التي تعتبر استقالة للحكومة بحسب المادة 69 من الدستور؟ ومن سيصدر مرسوم قبولها في غياب رئيس الجمهورية، لا سيما أن المادة 53 من الدستور تتحدث صراحة عن أن رئيس الجمهورية يصدر «منفرداً» مرسوم قبول الاستقالة؟ ثم، من سيكلف الحكومة بتصريف الأعمال ريثما يتم تشكيل حكومة أخرى؟ والأهم، من سيكلف الشخصية التي ستشكل الحكومة؟ وهل يمكن تخيل سيناريو تقديم رئيس الحكومة استقالته إلى نفسه بوصفه رئيساً لـ «مجلس الرؤساء»؟ وهل يحق لحكومة تصريف الأعمال الاستمرار في الحلول مكان رئيس الجمهورية؟ وإذا كانت السوابق تشير إلى أن الحكومات المستقيلة كانت تصرف الأعمال بوجود رئيس جمهورية وبوجود رئيس مكلف تشكيل حكومة أخرى، فهل يعقل الدخول في الاستقالة وتصريف الأعمال في ظل غياب أي أفق لتشكيل حكومة بديلة؟ باختصار، يقول أحد السياسيين الدستوريين، إن تمام سلام لا يحق له الاستقالة في هذه الظروف، لكنه مع ذلك يرى، بحسب ما يقرأ بين سطور المواقف، أن تصريف الأعمال لا يضر أحداً، لا بل على الأرجح صار الجميع مقتنعاً بأن الوصول بالأزمة إلى أقصى مداها يقرّب الحلول.