رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي أطل هذا الاسبوع من برلين حاملا ملف لبنان الى المؤتمر الدولي حول اللاجئين السوريين مطالبا بمليار دولار هبة وملياريّ دولار قروضا ميسّرة لم ينل ما سعى اليه على رغم الكلام الطيّب الذي سمعه من المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل عشية المؤتمر عندما قالت له “إن المانيا تريد أن تظهر تضامنها في ضوء الاعباء التي يتحملها لبنان … لا نتخيّل أي تحديات يواجهها خصوصا ان أوضاعه صعبة حتى قبل نشوء الازمة السورية بعد عقود من اللجوء الفلسطيني اليه”. وفي اليوم التالي كان مراسل إذاعة المانيا الدولية دويتشه فيله يجري مقابلة مع الرئيس سلام بعد إنتهاء أعمال المؤتمر فيسأله رأيه عن إعلان وزير التنمية الالمانية زيادة مساهمة بلاده بمبلغ مئة مليون يورو في معالجة ملف اللاجئين فيجيب: “أنا لم أسمع بذلك… في أي حال أنه أمر جيد”.
بالطبع لم يكن أحد يتوقع أن يعود الوفد اللبناني بحقائب محشوّة بمليارات الدولارات. والسبب الواضح ان الذين ينفقون اموال الدعم يضعون نصب أعينهم اولوية إغاثة اللاجئين مباشرة. أما الدول المضيفة للاجئين فهي في المرتبة المتأخرة من الاهتمام لدرجة ان ممثل تركيا في المؤتمر كان يعلي الصوت عن ثقل إستضافة بلاده مليون ونصف مليون لاجئ، أي ما يماثل عددهم في لبنان في حين ان تركيا بلد الـ80 مليون نسمة وأقتصادها ينتمي الى الدول المتطورة “فكيف هو حال لبنان الذي يحمل هذا الثقل الذي يعادل ثلث عدد سكانه” كما سأل الرئيس سلام؟
أحد الديبلوماسيين غير مأذون له أن يكشف عن أسمه قال لكاتب هذه السطور: “أننا نفهم ان المانيا وسائر الدول الاوروبية تتصرف في حدود قدرتها في ظل أزمات إقتصادية تواجهها القارة… لكننا لا نفهم صمت الدول العربية الغنية التي تحتار كيف تنفق مليارات الدولارات في أكثر من مجال”؟
يعترف المرء بأن الرئيس سلام الذي حرص على كل اللياقات في التعامل مع نتائج المؤتمر كان موفقا في صراحته التي لم تخف الحقيقة، فلا أوهام عنده سبقت المؤتمر ولا شكوى تلته، فقط لن يكون هناك دعم. والمهم بالنسبة اليه ان القضية في واجهة الاهتمام الدولي ولا بد من متابعتها على قاعدة “لا يموت حق وراءه مطالب”.
في الطريق الى مقر المستشارة الالمانية شاهدنا بوابة براندنبورغ التاريخية رمز برلين الاشهر. وعلى مقربة منها على الارض معالم من جدار العاصمة الالمانية الذي قسّمها عقودا بعد الحرب العالمية الثانية قبل أن يتم هدمه عام 1989 بعد أنهيار الاتحاد السوفياتي. حشود من الزائرين يأتون من مختلف أنحاء المانيا والعالم لكي يعاينوا البوابة التي يعود تاريخ بنائها الى اواخر القرن الثامن عشر. لم يعد هناك من جدار بل مجتمع يضج بالحيوية وضع المانيا في مصاف الدول العظمى. لكن لبنان أكتشف في برلين أنه أمام جدار ما زال قائما في وجهه, لعلنا نتعلم من الالمان كيف نهدمه بحيوية اللبنانيين أنفسهم.