لا يُنتظر أن تحمل الأسابيع القليلة المقبلة أي جديد على الصعيد الرئاسي، فيما تنشغل الساحة السياسية اليوم بنشاط مزدوج يبدأ صباحاً مع طاولة الحوار الوطني المقرر عقدها في عين التينة، في جولة مناقشات جديدة في الملف الرئاسي، وينتهي بعد الظهر بجلسة لمجلس الوزراء للبحث في ملف النفايات، هي الاولى منذ التاسع من أيلول الماضي.
وعودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد لا تعني بالضرورة قراراً بتفعيل الحكومة وتنشيط عملها، بل هي لإقفال ملف النفايات الذي بلغ حداً من الاهمال والتردد في تطبيق الإجراءات المتخذة، لم يعد قابلاً للتأجيل أو التسويف، بحيث وضعت القوى السياسية نفسها أمام خيار لا بديل منه هو القبول بالترحيل بعدما عطلت المواقف السياسية كل الخيارات الاخرى، بما فيها المطامر والمحارق وغيرها.
وللمفارقة، فإن الخيار الأخير المقترح هو الأعلى كلفة!
كل المعطيات المتوافرة تشي بأن رئيس الحكومة تمام سلام مصمم على ختم ملف النفايات في جلسة اليوم، وهو لهذه الغاية لم يوزع الخطة المقترحة على الوزراء مع جدول الاعمال، تلافياً لأي مواقف استباقية قد تطيح الأمل الأخير بحل المشكلة. وهو مصمم على الا يرفع الجلسة الا بعد إنجاز الموضوع، منطلقاً من اقتناع بأن الملف استغرق الكثير من الوقت ولم يعد يجوز التأخر أكثر نظراً الى تفاقم المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن بقاء النفايات في الهواء الطلق.
كما انه يقيم على اقتناع بأن لا بحث في أي ملف آخر، مهما تكن أهميته وطابعه العاجل، قبل اقفال ملف النفايات، مستفيدا من الدعم الذي يلقاه من رئيس المجلس ومن إدراك القوى السياسية أن الموضوع لم يعد يحتمل التسويف.
لكن سلام يدرك في الوقت عينه ان إقفال الملف لا يعني بالضرورة الانتقال الى معالجة الملفات الاخرى على طاولة مجلس الوزراء ما لم يتوافر غطاء سياسي جديد لتفعيل الحكومة، هو من مسؤولية طاولة الحوار، بعدما قرر سلام رفع المسؤولية السياسية عنه وإبقاءها في عهدة القوى السياسية التي عليها إدارة خلافاتها وإبقاؤها خارج جدران السرايا.
وهو إذ يعول على شريكه في الحكم نبيه بري في غياب رئيس الجمهورية من أجل تأمين هذا الغطاء، يبدو أقل تشاؤما من السابق، على رغم استمرار الشغور الرئاسي. ولعل هذا يعود الى تلمسه جدية محلية وخارجية حيال الاستحقاق الرئاسي والتسوية المطروحة تحديداً. كما انه يلمس إدراكاً حقيقياً لدى القوى السياسية أنه لم يعد ممكنا الاستمرار في الوضع كما هو، خصوصا أن الاستحقاقات الخارجية التي كانت تحكم حال المراوحة في لبنان بدأت تتحرك، بدءا من خريطة الطريق السورية وصولا الى اللقاء المرتقب في باريس بين الرئيس الايراني والرئيس الفرنسي في كانون الثاني المقبل، والذي يفترض ان يبلور مصير التسوية الرئاسية.
بات واضحاً ان هناك ملفات خدماتية وبنودا متراكمة تتطلب جلسات عدة لإنجازها، مثل النفط او الملف السياسي المستجد والمتعلق بالموقف اللبناني الرسمي من التحالف الاسلامي ضد الارهاب، وهذا موضوع مرشح للتفاقم بعد الحملة العنيفة التي شنها “حزب الله” على المملكة العربية السعودية، وبعد اغتيال اسرائيل لسمير القنطار أول من امس، مما سيستدعي نقاشاً جديا قد لا تكون طاولة مجلس الوزراء المكان المواتي له في ظل طاولة الحوار الموازية للحكومة.
لكن ما يخفف قلق رئيس الحكومة أن الجلسة التشريعية اليتيمة التي عقدت أخيرا وأبرمت الكثير من مشاريع القوانين المهمة، ولا سيما المالية منها، قللت الكثير من المخاطر المحدقة وأعطت لبنان جرعة اوكسيجين لفترة سماح جديدة يجب ألا تطول كثيراً.