فجأة وبعد الاحلام الوردية التي عاشها اللبنانيون في عملية «البلف» المنظمة التي مارستها القيادات السياسية مطلع الاسبوع تبين ان الامور عادت الى المربع الاول في كل الملفات، فلا أنصاف الحلول ولا المقايضات نفعت، حتى في ما خص ملف رواتب العسكريين الذي ما زال خاضعا لمزاجية وتجاذب الاطراف المشاركة في الدولة، وجلسة تشريع ضروري رغم تحديد موعدها، ستتحول الى مشكلة جديدة خاصة اذا ما اصرت الاطراف المسيحية الاساسية على المقاطعة مسقطة ميثاقيتها، امام تعنت رئيس مجلس النواب الرازح تحت وطأة ضغوط خارجية وداخلية تلح على اقرار مشاريع حيوية تتعلق بالمصلحة العليا للبلاد.
وفيما يبدو ان ملف المقاطعة التشريعية بدأ ينتقل الى الجانب الاسلامي، مع اعلان عدد من النواب عدم حضورهم الجلسة لفقدانها الميثاقية، لا تزال المحركات السياسية تعمل ولا يزال رئيس المجلس يأمل ببعض الإستجابات تقول مصادر نيابية، ولذلك فإن العمل يتركز على إبعاد لبنان عن شبح الشروط والضوابط الدولية المنتظرة، في ظل مراقبة المجتمع الدولي عن كثب لتطور الاوضاع الداخلية، وعدم استعداده لمنح بلد لا يلتزم سياسيوه او مسؤولوه بأي شيء ولا يبدّلون من مواقفهم بهدف إحداث تغيير نحو المعالجة، واملت المصادر ان تكون الشروط المتوقعة كفيلة وحدها بإحداث خرق فعلي، في اتجاه خطوات من شأنها كسر حالة «الستاتيكو»، متوقعة ان يكون لبنان محطّ زيارات لعدد من المسؤولين في وقت ليس ببعيد لبحث الأزمة الحاصلة مع القيادات اللبنانية، مبدية في المقابل شكوكها حيال إمكان تبديد «الفيتوات» على انعقاد الجلسة التشريعية في وقت مبكر، ما يعني أن واقع التشريع في مجلس النواب سيكون محفوفاً بالتعقيد أسوة بالواقع الحكومي بما يصعب معه على «الاستاذ» المضي في عقد جلسة من دون مشاركة أي من القوى المسيحية الرئيسية، علماً أن حالة التنافس المتفاقمة بين هذه القوى بلغت حدود عودة وزراء الكتائب والوزراء المستقلين المسيحيين الى حدّ التهديد بالاستقالة من الحكومة في حال لم يُتخذ القرار الحاسم بتنفيذ الخطة الحكومية لإنهاء أزمة النفايات وعقْد جلسة لمجلس الوزراء، كاشفة عن طرح نقله المعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل إلى الرابية ومعراب، يقوم على عقد جلسة تشريع لتمرير البنود المالية وقانون استعادة الجنسية، مقرونة بتعهد محدد بمدة زمنية لعرض قانون الانتخابات في جلسة أخرى»، غير أن الرد لم يكن ايجابيًا، بعدما رأى التيار والقوات أن «هذا الطرح يشبه شيكًا من دون رصيد، والتجارب السابقة لا تشجع على قبول مثل هذا العرض».
مصادر مقربة من السراي، اعتبرت أن الرئيس سلام تعرض لخدعة سياسية من أولئك الذين أظهروا استعداداً لمساعدته في ملف النفايات، دون أن تسمي تلك الاطراف، موردة في هذا الاطار ان رفض ثنائي أمل ـ حزب الله لاقامة اي مطمر في المناطق الشيعية، الذي تبلغه عمليا رئيس الحكومة عشية سريان الاشاعات والتسريبات عن اعتماد مطمر «الكفور» الجنوبي، أرفق بتعهد من الفريقين باقناع النائب طلال ارسلان بالسير بخيار «الكوستا برافا» كحل وسط لوقوعه عند تخوم الضاحية، وتأمين الاجماع في الحكومة التي كان أعد سلام السبت كتاب الدعوة الى جلسة لها، قبل ان يتريث بعد بروز اعتراض ارسلان وتعقد الامور من جديد، معربة عن أسفها بأن ما سرب للإعلام شيء، وما حصل على الأرض شيء آخر، مستبعدة عقد جلسة حكومية في المدى المنظور، مشيرة إلى أن الرئيس سلام لم يخف امتعاضه وانزعاجه الشديدين من وضع العصي في دواليب الحلول التي كانت تُطرح.
وتتابع المصادر بأن خيار ترحيل النفايات عاد للبروز، لكنه يحتاج الى درس دقيق من حيث المدة الزمنية ودفتر الشروط قبل الخوض فيه، كاشفة عن ان هناك ورقة رسمية كانت قد أعدت بهذا الصدد لتكون بديلة عن خطة مجلس الوزراء إذا أخفقت، في اجتماع عقد بعيدا من الاعلام بين شهيب وسلام بحث في البدائل، حيث تم التوقف عند عدد من النقاط العالقة ابرزها: اذا ما كان الترحيل سيكون لفترة ثلاثة اشهر كما هو معروض ام بشكل دائم، والي اي وجهة سيتم الترحيل، اوروبا، افريقيا ام سوريا والعراق، رغم الحديث عن عروض جدية أحدها من السفارة الألمانية، وآخر من شركة إنكليزية؟ وكيف ستتم معالجة النفايات التي تساقطت عليها الامطار والتي يستحيل تصديرها بعدما تخمرت؟ وماذا عن المهلة الفاصلة بين فض العروض وتوقيع الاتفاقات والبدء بالتصدير والتي لن تقل عن الشهر؟ وماذا عن تمويل الكلفة العالية التي ستوقع الصندوق البلدي المستقل والبلديات في العجز حيث الحديث عن 250$ للطن؟
اذا هناك مشكلة نفايات لكن ليست هناك معالجات، والمعضلة عادت إلى المربع الاول، ما يطرح جملة من الاسئلة: