IMLebanon

سلام فوجئ بتغيب باسيل

مع دخول البلاد «جمود الاعياد»، وحدها زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، خرقت شكلا «جمود الاعياد» الذي دخلته البلاد مع عطلة عيد الفصح، دون ان تحصد في المضمون اي نتائج ملموسة لتبقى الامور عالقة في دوامة الوعود والتمنيات بانجازات على صعيد الملفات الملحة، بعدما بات كل شيىء مضبوط على الساعة الاقليمية.

المراجعة الاولية لحصيلة الجولة حتى الساعة، تظهر بوضوح تغييرا في اللهجة الدولية من الاستحقاق الرئاسي بحسب مصادر ديبلوماسية غربية، اذ ما كان يقال في الكواليس ظهر الى العلن. فالامين العام سار على خريطة درب جديدة وضعها في مقاربته للملف الرئاسي، اعتمدت بداية عدم التدخل المباشر في الاستحقاق، خلافا للعادة، والثاني ربطه المساعدات «الموعودة» بحسم اللبنانيين قرارهم والذهاب الى انتخاب رئيس، في محاولة واضحة للضغط باتجاه انجاز انهاء الفراغ على وقع اضافة مئة مليون دولار الى حصة وزارة التربية، الحائزة على غالبية المساعدات.

واذا كان محور الزيارة يرتكز الى بحث المقاربات الدولية الجديدة الموضوعة لتحقيق الاستقرار والامن والتنمية وانجاح المساعي الهادفة لحث الدول العربية والاخرى المانحة على الايفاء بالتزاماتها جراء استضافة لبنان للنازحين في اطار التحضير لاجتماع رفيع المستوى في 30 الجاري في جنيف، فان تفاصيل الساعات الاولى بعيد وصول بان الى بيروت صباحا بقيت «مجهولة»، بعد اللغط الذي اثاره تغيب وزير الخارجية عن الاستقبال واللقاءات.

غير ان المبررات التي قدمت، اكانت بروتوكولية، باعتبار ان «بان» موظفاً في الأمم المتحدة برتبة عالية، وليس رئيسَ دولة، او شخصية ارتباطا بمشاركة باسيل بدفن خاله، لم تسقط المبررات السياسية المتمثلة بوجود تمايُز سياسي وخلاف جوهريّ في مقاربة ملف النازحين السوريين، فالأمم المتحدة تبحث في سُبل مساعدتهم للبقاء في لبنان، في ظلّ ظروف جيّدة، بينما وزارة الخارجية تؤيّد عودتَهم بشكل آمن إلى سوريا، بحسب مصادر الوطني الحر، التي ابدت خشيتها من أن يكون بان آتيا الى لبنان حاملا مشروعا لاندماج اللاجئين، اكانوا فلسطينيين او سوريين، في النسيج اللبناني، خاصة بعد ان برزت مؤشرات عديدة في هذا الاطار تمثلت في اشتراط عدد من الدول فتح سوق العمل اللبناني امام النازحين لمساعدة لبنان في تكبّد اعباء النزوح، وفي تضمين قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254 عبارة «العودة الطوعية» للنازحين الى سوريا، ما يفتح امام هؤلاء باب البقاء في لبنان قدر ما يشاؤون، الامر الذي تحفظت عليه «الخارجية» اللبنانية، رغم تاكيدها أنّ باسيل تعامل بحسب الاصول وكلّفَ الأمين العام للوزارة وفيق رحيمي لاستقباله في المطار، ورحيمي هو رأسُ الهرَمية الدبلوماسية، وليس سفيراً عاديّاً.

من جهته لم يفوت المستقبل الفرصة، اذ رأت اوساطه ان سبب غياب الوزير باسيل لم يكن بحجم المناسبة، معتبرة ان اصول التعاطي مع حدث من هذا النوع كان يفترض على الاقل ابلاغ باسيل رئيس الحكومة تعذر حضوره ايا كان السبب، ليتخذ الرئيس تمام سلام الاجراء المناسب من خلال تكليف وزير آخر بالمهمة. اما ان يقتصر الاستقبال على مدير عام الوزارة فيترك الكثير من علامات الدهشة والاستغراب، سائلة عما اذا كان انحلال الدولة بلغ درجة «الاستهتار» بالضيوف الكبار وسط العجز والشلل والفراغ.

اما فيما خص الحجة السياسية، فقد اكدت الاوساط ان الموقف الرسمي اللبناني واضح وسيُكَرَّر على مسامع بان ويقوم على رفض لبنان اي شكل من أشكال التوطين، ورفضه ربط المساعدات اليه بشروط تقوّض سيادته، لافتة الى ان ما سيطالب به الرسميون هو عودة «آمنة» للنازحين الى ديارهم بعد ان تضع الحرب السورية أوزارها، ما يلتقي مع المذكرات التي سترفع الى الامين العام من اكثر من طرف سياسي والتي ستشدد على ضرورة تضمين الحل الذي يرسم اليوم للازمة السورية، بندا ينص على العودة الممنهجة للنازحين السوريين الى بلادهم، محذرة من تداعيات محاولات دمج هؤلاء او توطينهم، السلبية على التركيبة الديموغرافية ـ السياسية اللبنانية الهشة.

أما في ملف اللاجئين الفلسطينيين، فتقول الاوساط ان لبنان طالب الامين العام باعادة تفعيل دور «الاونروا» بعد ان قلصت خدماتها في شكل لافت في الآونة الاخيرة، كمقدمة لاقفالها لاحقا، ما اعطى اشارات سلبية أوحت بأن التوجه الدولي في المرحلة المقبلة هو للتخلي عن قضية هؤلاء وللدفع نحو دمجهم في المجتمعات التي استضافتهم.

حين مثل لبنان قبل سبعة عقود، في تأسيس الأمم المتحدة، لم يتوقع شارل مالك أن يزور الأمين العام لهذه المنظمة الدولية لبنان و«اللبناني الاول» هو الفراغ. فعلى قاعدة «اسع يا لبناني لنسعى معك»، رمى بان كي مون ومرافقوه الكرة في ملعب القوى السياسية، سرعة انتخاب رئيس وقيام حكومة قوية وتوفير المساعدة للجيش والقوى الامنية، خارطة طريق واضحة للايفاء بخطوات الدعم العملية التي أعلنها مرافقاه رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي للتنمية.

بان كي مون حط على أرض يظللها الغرب بقرار الاستقرار، المهتز من هنا وهناك، كما حصل بالامس، اذ حين تغيب السياسة يحضر الأمن، فالمعادلة واضحة: انتخبوا الرئيس، تحل المشاكل.