لأن القاهرة ليست مستفزة للشيعة كالرياض ولا للسنّة كطهران، وفي ظل الانشغال الدولي بأزمات المنطقة ووضع أزمة لبنان «على الرفّ»، تروّج شخصيات لبنانية لدور مصري ما قد يساعد في الحلحلة محلياً
يزور رئيس الحكومة تمّام سلام القاهرة الأربعاء المقبل. مصادر مواكبة تؤكّد أن الزيارة «أبعد من بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وتصل إلى حدود رغبة أوروبية ــــ أميركية في إعطاء مصر دوراً في التوصل إلى حلول لأزمات المنطقة، بما فيها لبنان». وهذا ما كان محور حديث في لقاء بين شخصيات لبنانية وأوروبية من بلدان زارها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً.
وهذه الرغبة ناجمة عن «تقاطع في وجهات النظر، بأن القاهرة قادرة، في هذه المرحلة الدقيقة، على لعب دور لا تستطيع أن تلعبه إيران والسعودية وتركيا، لاعتبارات عدة أبرزها أن لمصر صدقية لدى مختلف الأطراف اللبنانية، ومن بينها حزب الله الذي حرص أمينه العام السيد حسن نصرالله، في كل خطاباته حول العدوان السعودي ضد اليمن، على تحييدها، لا بل الحديث عن دور جدّي يمكنها القيام به».
النقاش تناول «عودة الدولة العميقة» إلى حجمها وقدرتها على لعب دور في إدارة ملفات المنطقة، استناداً إلى «اصطحاب رئيس الحكومة في زيارته للقاهرة وفداً عسكرياً لبنانياً للبحث في التعاون المشترك لمواجهة الإرهاب».
شخصية وزارية من 14 آذار: الزمن الآتي هو زمن مصر
وأهمية مصر العسكرية للبنان، بحسب مسؤولين لبنانيين، تكمن في «قدرتها على مساعدة المؤسّسة العسكرية على تأهيل ما تملكه من معدات وآليات، إضافة إلى تزويدها بالذخيرة، بكلفة أقل بكثير من تلك التي تدفعها الدولة اللبنانية إلى شراء أسلحة من دول أخرى». والأهم من هذا هو «معاهدة الدفاع المشترك الموقّعة بين البلدين».
المسؤولون اللبنانيون استفاضوا أمام نظرائهم الأوروبيين بالحديث عن خروج مصر من العزلة الدولية بعد انتهاء عهد الرئيس محمد مرسي، و«تغيّر السياسة الخارجية بشكل جوهري في عهد السيسي في التعامل مع أحداث المنطقة من ليبيا الى اليمن مروراً بسوريا والعراق ولبنان». وشجّع هؤلاء على دفع القاهرة الى بذل جهد في الملف اللبناني من خلال المبادرة بالأفكار، والتوفيق بين أطراف الصراع الإقليمي التي تلعب على أرضه، وبالتالي، فإن «لبنان يتوقّع من مصر سياسة رشيدة وحضوراً فاعلاً ومباشرة، كذلك الذي لعبته حين دعمت ترشيح قائد الجيش السابق العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية».
ومع أن الشخصيات اللبنانية مقتنعة بأن «الشغور الرئاسي مستمر إلى أجل غير مسمّى، وحتى اتضاح الصورة الإقليمية، تحديداً في سوريا»، إلا أنها لفتت محادثيها الأوروبيين الى أن «مصر ليست إيران، ولا المملكة العربية السعودية». فـ«بعيداً من التصريحات الرسمية التي رافقت الحرب السعودية على اليمن، إلا أن القاهرة لا تزال تحافظ على علاقة جيدة مع مختلف الأطراف اللبنانية»، وهي «ليست دولة استفزازية بالنسبة إلى الشيعة كما السعودية، كما أن موقفها من الجماعات الإرهابية في المنطقة يريح الأطراف الشيعية. وفي المقابل، هي لاعب أساسي بالنسبة إلى الطائفية السنّية، وكذلك للمسيحيين الذين وجدوا موقف السيسي تجاه الأقباط مؤازراً لوجودهم في الشرق». لذلك، مع «التراجع الأميركي والأوروبي، وانشغال الغرب بملفات إقليمية وضعت لبنان في أسفل الأولويات، ومع عدم قدرة أطراف الصراع، أي ايران والسعودية، على الالتقاء في لبنان، إلا بما يؤمن الاستقرار الأمني بحدّه الأدنى، لا بدّ من وجود طرف يحقق نوعاً من التوازن». وليس هناك أصلح من القاهرة للعب مثل هذا الدور. فـ«الزمن الآتي هو زمن مصر التي غيبتها الأحداث عن الساحة العربية لفترة طويلة»، بحسب شخصية وزارية بارزة تنتمي إلى فريق 14 آذار، مقرة بأن «خطوة النجاح الأولى التي قامت بها القاهرة هي التنسيق الأمني مع النظام السوري ضد الإرهاب»!