Site icon IMLebanon

سلام لن يعطيَ عون ما يريده؟

لم تكن العلاقة يوماً بين رئيس الحكومة تمّام سلام ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون منذ أن كُلِّف الأوّل تأليفَ الحكومة على غرار العلاقات التي قامت بين عون ومَن كُلِّفوا هذه المهمة منذ العام 2005. فعدا زيارته البروتوكولية إلى «دولة الرئيس» عون، تحَصَّن سلام في المصيطبة إلى أن رأت حكومتُه النور. فما الجديد في شكلِ العلاقة بين الرجُلين في ظلّ الأزمة الحكومية؟

في 23 آذار 2013 قدّمَ الرئيس نجيب ميقاتي استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية آنذاك العماد ميشال سليمان. وبعد أسبوعين، وتحديداً في 6 نيسان 2013، سُمِّيَ سلام بأكثرية نيابيّة من 124 صوتاً لم يسبقه إليها أحد لتأليف الحكومة الجديدة.

وكانت قوى «14 آذار» قد أجمعَت يومَ الخميس في 4 نيسان 2014 على تسميتِه ليكونَ مرشّحَها الوحيد إلى الاستشارات النيابية الملزِمة بعد انضمام النائب وليد جنبلاط إلى صفوفها لتستعيدَ أكثريتَها التي افتَقدَتها عام 2011 بعد الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري في 18 كانون الثاني 2011 وتسميةِ ميقاتي لتأليف الحكومة في 25 من الشهر نفسِه.

ما يُبرِّر هذا العرضَ المؤرّخ، السعي إلى دليل ساطع بأنّ سلام حظِيَ بتغطية نيابية شاملة على خلفيةِ صفقةٍ إقليمية شاملة احتسبت أنّ الشغور الرئاسي كان أمراً واقعاً لا نقاشَ فيه. وهو سمحَ للرئيس المكلّف إجراءَ استشاراته الحكومية متشَدّداً للغاية. فبَعد جولتِه البروتوكولية على رؤساء الحكومات السابقين ومِن بينهم عون، وباستثناء الزيارات المكّوكية إلى قصر بعبدا بقيَ سلام متحَصّناً في المصيطبة رافضاً زيارةَ الرابية.

فقد انتظرَ طويلاً وعلى مدى 11 شهراً حواراً كان قائماً بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» وصَل إلى مرحلةٍ تصَوَّر فيها البعض أنّ سادةَ المقرَّين يتجاهلانه. وقيل في الساعات الأخيرة التي سبَقت ولادة حكومته إنّه كان يَنتظر اسماً من «المستقبل» ليكونَ وزيراً للداخلية بعدما حُلَّت مشكلة توزير جبران باسيل في الخارجية، في وقتٍ كان زعيما الرابية وبيت الوسط يناقشان تارةً في روما وأخرى في الإمارات العربية المتحدة هموماً أخرى.

منذ تلك الفترة إلى اليوم، سادَت البرودة العلاقات بين المصيطبة والرابية، وزُرعت شكوك كثيرة، وشهدت مطبّات كانت عاصيةً على المبادرات الداخلية أحياناً. وفي كلّ مرّة كان يَصطدم فيها الحوار بين عون والحريري تنعكِس النتائج سَلباً على العمل الحكومي. وبقيَت الحال على هذا المنوال إلى أن برزَت أخيراً عقدةُ رفضِ الحريري السيرَ في العميد شامل روكز قائداً للجيش إلى النهاية المحتومة بالتعيين، بعدما رفضَ اعتبارَ عون مرشّحاً توافقياً للجمهورية.

أمام هذه الوقائع يقف سلام في كلّ مرّة بالمرصاد، فيجَمّد العملَ الحكومي قبل أن يقعَ أيّ انفجار يعطل الحكومة نهائياً. وهذا ما فَعله قبل ثلاثة أسابيع عندما رفعَ الجلسة التي أصَرَّ فيها وزراء عون و«حزب الله» على الربط بين التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي وتعيين قائد جديد للجيش، فحُلّت المشكلة في قوى الأمن وبقيَت عالقة عند قيادة الجيش.

وعلى هذه الخلفيات، يقفُ سلام اليوم عند موقفِه مِن تجميد العمل الحكومي أياً كانت النتائج والترَدّدات، رافضاً السيرَ في أيٍّ مِن اقتراحين يتناوب زوّاره على دعوته إليهما: الأوّل يدعوه إلى استئناف الجلسات للبحث في جدول أعمال الحكومة مع التسلّح بصلاحيات رئيس الحكومة في وضعِه. والثاني ينصَحه بالإسراع في تعيين العميد روكز قائداً للجيش قبل البَحث في أيّ ملف آخر يمكن أن يدرجَ على جدول الأعمال.

وما بين الخيارَين يُدرك سلام ما يريده عون، فهو يُصِرّ على أنّ وزيرَيه لن يَستقيلا، ومعهما وزراء الحلفاء، وسيُلبّون أيَّ دعوة إلى جلسة حكومية ولكنْ بشَرط أن تبدأ بتعيين روكز مهما طالَ الزمن. فهو لا يرى أنّ البَلد، ولا هو، في أيّ مأزق أيّاً كانت النتائج الكارثية للتعطيل على المستويات الاقتصادية، المالية، السياسية أو الإدارية التي يراها الآخرون، فليس لديه أيّ مشكلة على الإطلاق.

لكنّ سلام الذي يصِرّ على تعطيل فتيلِ الأزمة بالتجميد الاستباقي للعمل الحكومي يُدرِك أنّ عون يريد جلسةً ليفجّرَ الحكومة. فالآمال المعقودة على تحقيق أيّ مِن رغباته تتبخّر يوماً بعد يوم. ولذلك لن يعطيَ سلام ومعه أطراف أخرى، قد يكون من بينهم بعض حلفاء عون، الفرصة التي يريدها، رأفةً بالبلاد والعباد.