أول إمرأة في سدّة رئاسة حزبٍ لبنانيّ
يوم قيل أن الكتلة الوطنية “قامت من الموت” إبتسم كثيرون. ويوم تردد أن “القيامة الكتلوية” ستتألق يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، لم يُصدّق كثيرون. فهل نحذو حذوهم؟ نصدق أم نُشكك أم ننتظر ونترقب ما ستؤول إليه الحال؟
سلام يمّوت، إبنة بيروت، السنيّة في النغمة الطائفية، رئيسة الكتلة الوطنية الجديدة وستستلم منصبها الجديد، يوم الخميس المقبل، من سلفها العميد الآدمي، الماروني الجبيلي، كارلوس إده. فمن هي هذه المرأة التي تُوّجت على رأسِ حزب “العمداء”؟
يتركُ الإسم إنعكاساً على حامله. وهي، سلام، فيها يُقال كثير من سمات السلام. هي إمرأة ناشطة نشيطة، إبنة سهيل يموت، الصحافي ومالك صحيفة الأخبار العام 1959، وشقيقة زياد يموت الملقب “زيكو” الثائر جداً. ومن يقلب في صفحاتها على مواقع التواصل الإجتماعي يكتشف مدى قربها، من زمان، من النائب السابق روبير فاضل وكتبت له يوم استقال في الأول من حزيران عام 2016: فخورة بك روبير فاضل.
جميلٌ أن تكون فخورة به. واختيارها يُخبرنا أنه فخور أيضاً بها. لكن، وإن عرفنا سبب فخرها هي فماذا عن أسباب فخره هو؟
سلام سهيل يموت، (57 عاماً) التي ستكون أوّل إمرأة تستلم سُدّة حزب أو تيار أو كتلة لبنانية، تؤمن جداً بالمساواة بين الإناث والذكور، لكنها لا تُحبّ، بحسب عارفيها، التوغل كثيراً في هذا المنظور الجنساني، بل تثق جداً أنه كلما “سُطّرت المساواة في القوانين إشتدّ ميل الناس الى الفروق الظاهرة بينهم”. يموت، تُجيب حين تُسأل عن ندرة النساء في المواقع العليا في لبنان: عدم وجودهنّ بنسبٍ كافية دليل على عظمتهنّ. فهنّ يكذبنّ بنسبٍ معينة ولا يتحملنّ منسوباً عالياً من الفساد. للنساء خط أحمر في عالمٍ لا يُشبههن. لذا هذه الفترة الزمنية هي فترتهنّ. هذا زمنهنّ في انتشالِ لبنان من الفساد العارم”.
إبنة بيروت، الحاملة ماجيستير علوم في الهندسة الكهربائية من جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية وماجيستير في إدارة الأعمال من المعهد العالي للأعمال في بيروت، أمٌ لشابين هما سعيد وظافر. وهي نجحت في ترك أثر في كلِ مكانٍ مرّت فيه، أو حطت فيه، وقبل أيام إستعانت بقول بابلو بيكاسو في التعبير عن رؤيتها: كلّ شيء يمكن تخيّله هو حقيقة.
سلام سهيل يموت تشغل منذ العام 2016 موقع المديرة الإقليمية للشرق الأوسط لمنظمة “مجتمع الإنترنت”، وتتابع عبر موقعها هذا بروتوكولات الإنترنت وسياسات المنظمة عالمياً. وهي كانت قبل تسلمها هذا الموقع منسقة وطنيّة لاستراتيجيّة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في مكتب رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري. وتولت هذا المنصب ستة أعوام متتالية.
إذاً، إبنة بيروت، مقرّبة من “الشيخ” وتفهم كثيراً في مجتمع هذه الأيام، مجتمع التكنولوجيا الطاغي على كلّ ما هو صغير أو كبير، جوهريّ أساسيّ أو ثانويّ عارض. والكتلة العتيقة ستستفيد بتجددِها من وجود “رئيسة” تفهم في لغة هذه الأيام كما رئيستها. وهذه نقطة تُسجّل مسبقاً لها. أمس، قبل أيام، علّقت “الرئيسة” على مسار الأحداث في وزارتي الطاقة والأشغال وكتبت: “ولو استحوا على دمكن” تحت هاشتاغات: #مش ناسييكم. و#كلن يعني كلن. و#لبنان ينتفض.
تتميزالرئيسة الجديدة لحزب “الكتلة الوطنية” بالجرأة. وهذا سيُسجّل لحزبها الذي آزر بتجدد الثورة، وتبدو يموت عارفة تماماً كيف تستفيد منها.
إختيارُ سلام يموت رئيسة للكتلة الوطنية لم يأت عن عبث. “الكتلويون” يرددون هذا ويبتسمون وهم يتهامسون عن “طلباتِها” الكثيرة. فهي بدأت تتصرف مع الكتلويين كما تتصرف في “مجتمع الإنترنت” الديناميّ وفق قاعدة: إرفعوا قدراتكم أكثر. إنتشروا أكثر. ولتكن سعة صدوركم أكبر.
نراها تُكثر من إعادة زقزقة كل ما هو “ثوري” جداً. نتوغل أكثر في تفاصيلها فنراها تستعين بمقولة بقانون سمّي باسمِ قانون العميد ريمون إده وصدر العام 1958 ويتضمن: القاتل عمداً يُعدم شنقاً والسارق يُسجن مهما كان منصبه في الدولة.
تبدو الرئيسة حاسمة. فهي انتسبت الى الكتلة حديثاً، في فورةِ تجدد الحزب، ولم تتعرف على العميد ريمون إده شخصياً لكنها تحفظ الكثير من أقواله وتتباهى بخطواته. ومن يسألها: هلّق لوين؟ تُحيله الى “بوست” نشرته على صفحتها على الفيسبوك فيه: أولاً، إستقالة الحكومة الحاليّة. ثانياً، تعيين حكومة مستقلة مصغرة متخصصة. ثالثاً، صياغة البيان الوزاري ونيل الثقة. رابعاً، مراقبة تنفيذ الوزراء لمضمون البيان.
رئيسة حزب الكتلة الوطنية غالباً مسافرة لكن، في كلِ مرة تطأ فيها قدماها أرض مدينتها بيروت وتراها هرمة، تعبة، مرهقة بشيخوخة مبكرة، تتألم. وأمس، يوم انضوت الى الكتلة، سُئلت عن بيروتها فأجابت: “النظام السياسي القائم أسرع في إيصال العاصمة الى سنّ الشيخوخة وجعل السرطان في بيوتها والهواء المسمم في سمائها والبنيان العشوائي في تفاصيلها”.
لم تتحدر سلام يموت من بيتٍ حزبيّ ولا من عائلة سياسية عريقة ولا من بيت زعيم. لهذا ربما اختيرت لتُشكّل نواة التغيير الحقيقي في وقتٍ يشهد، ويتوقع أن يشهد بعد، الكثير من معالم التغيير. تنجح؟ تفشل؟ تنطلق ولايتها رسمياً الخميس المقبل، لمدة سنة كاملة، وهذه السنة، كما تعلمون، لن تكون، لا لها ولا للكتلة ولا للبنان، مثل سائر السنوات.