IMLebanon

سلامة يخسر الاجماع المصرفي … وتهويل مستمر باهتزاز نقدي في غيابه

للمرة الأولى منذ وقت طويل، يختفي الإجماع المصرفي على شخصية رياض سلامة. وقد تكون المرة الاولى، منذ ربع تقريباً، يخرج فيها مصرفيون كبار عن صمتهم، ويعلنون تأييدهم للتغيير في منصب الحاكمية، ويدعون الى تصحيح الوضع داخل مصرف لبنان.

أما الوقت الذي تحتاج إليه هذه الاصوات لتخرج الى العلن، فهو محكوم، بالتأكيد، بنقاشات تجري على اكثر من صعيد سياسي واقتصادي ومالي وأمني ودبلوماسي حول منصب الحاكم. وينطلق الجميع من رغبة صريحة يبديها الرئيس ميشال عون أولاً، ومعه قوى وشخصيات سياسية أخرى، في تعيين حاكم جديد للمصرف مع انتهاء ولاية سلامة في تموز المقبل.

وعند التدقيق في المناقشات الجدية حول موقع الحاكم، تُفهم الحملة الاستباقية التي تقوم بها قوى سياسية، وجماعات ضغط مصرفية واقتصادية، ورجال أعمال وتجار كبار، الى جانب غالبية القطاع المصرفي، لتثبيت الحاكم في منصبه، فيما يكتفي هو بترداد ما أعلنه جهاراً في مقابلته التلفزيونية الاخيرة مع الزميل مارسيل غانم، من أنه يضمن الاستقرار النقدي ما بقي في منصبه، وليس بعد مغادرته.

الجوقة الكبيرة الداعمة لبقاء سلامة في منصبه تحرص على التهويل بأن الأسوأ مقبل على البلاد، وأن سلامة وحده من يملك القدرة على منع الانهيار النقدي. ويتوسع هؤلاء في شرح سبب تكثيفهم لحملتهم، بأنه يجب التجديد لسلامة الآن، وعدم تأخير الامر الى تموز المقبل. أما لماذا؟ فهنا يأتي الجواب الغريب: إذا بقيت الامور على حالها، وبقي النقاش حول المنصب، فستتأثر الاسواق، ولن يكون سلامة نفسه متحمّساً للقيام بخطوات تسحب التوتر. ويحذّر هؤلاء من أن عدم بتّ الأمر سريعاً يعني ترك الامر للمجهول، لأنه في حال جرت الانتخابات النيابية وسط خلافات، فسيكون من الصعب التكهن بالوقت الذي تحتاج إليه عملية تأليف حكومة جديدة، وعندها قد تنتهي ولاية حاكم المصرف من دون القدرة على تعيين بديل أو التجديد له، وأن شغوراً سيقع، وسيكون له تأثير سلبي كبير على الوضع النقدي والمالي، وحتى الاقتصادي.

عملياً، يعرف من يؤيد بقاء سلامة في منصبه أن القرار سياسي أولاً وأخيراً. لكن الجانب التقني فيه كبير ايضاً، وهو يتعلق بالسياسات النقدية المفترض اتباعها في سياق عملية اصلاحية كبيرة تحتاج إليها البلاد. لكن الواضح أن هناك جهات بارزة لا تريد أبداً حصول أي تغيير، وتمارس ضغطاً اليوم على الرئيس عون نفسه. وتضمّ دائرة الضغط الاقربين والابعدين.

وفق هذه المناخات، يخرج من دائرة القريبين من سلامة والمؤيدين لبقائه من يحثّونه على تسوية مباشرة وواضحة مع رئيس الجمهورية، ويدلّونه على طرق عدة توصل الى بعبدا، بينها ما هو عبر القريبين منه، وزراء ونواباً ومستشارين… ورجال أعمال أيضاً!

لكن ما الذي يمكن أن يقدّمه سلامة لعون؟

الكلام الذي قيل، يتركز في ثلاثة أمور:

الاول، إعلان سلامة الولاء لرئاسة الجمهورية وخلق مسافة بينه وبين المرجعيات الاخرى في البلاد، وخصوصاً الرئيس سعد الحريري.

الثاني، خلق مساحة تشاور واسعة بين المصرف المركزي ودائرة المساعدين للرئيس عون، تستهدف النقاش حول مجموعة من الخطوات أو القرارات التي يتخذها بصفته حاكماً لمصرف لبنان، والدخول في نقاش معه ربطاً بالسياسات النقدية العامة.

الثالث، البحث عن تسويات تخص مجموعات يُعتقد على نطاق واسع أنها قريبة من العهد، ومن الرئيس عون، وأن هذه التسويات تخص المجموعات الناشطة في القطاع المصرفي، وتوفر ما يمكن تسميته “الحصة المصرفية” للفريق القريب من الرئيس.

هل هذا معقول في هذه البلاد؟

نعم، وإليكم نموذجاً يجب التحقيق في شأنه، وليس التدقيق فقط.

خطة خاصة لـ«سيدروس» للتوسع: شكوك مصرفية وسياسية!

علمت «الأخبار» أن مصرف «سيدروس إنفست بنك» تقدّم من مصرف لبنان بخطة تمتد على ثلاث سنوات، تهدف الى زيادة حجم «سيدروس بنك» التجاري، الذي أسّسه “سيدروس إنفست بنك” عام 2015 من خلال تملك «بنك ستاندرد تشارترد” في لبنان. وبحسب المعلومات الموثّقة، تتضمن هذه الخطة عناصر عدة، أبرزها زيادة فروع «سيدروس بنك» وزيادة موجوداته عبر اجتذاب نحو مليار دولار بالعملات الاجنبية الى ودائعه.

وتشرح الخطة أن تحقيق الاهداف المرسومة يستدعي إعطاء حوافز لجذب المودعين تتمثل في سعر فائدة وعمولات أعلى من السوق، وزيادة النفقات التشغيلية على الفروع. وتخلص الخطة الى نموذج حسابي يقدّر حجم الخسائر أو الاعباء التي ستترتب عليها بنحو 72 مليون دولار، وتطلب من مصرف لبنان توفير الدعم للخطة التوسعية عبر «هندسة» خاصة توفر أرباحاً استثنائية كافية لتغطية هذه الخسائر والارباح.

الجوقة الداعمة لبقاء سلامة تهوّل بأن الاسوأ مقبل على البلاد وأنه وحده قادر على منع الانهيار النقدي

لا تنفي إدارة البنك تقدّمها بهذه الخطة. إلا أن مصادر مطلعة في المصرف قالت لـ«الأخبار» إن البنك طلب “هندسة” خاصة كونه جلب أموالاً من الخارج لزيادة رأسماله، وتبلغ كلفة هذه الاموال نحو 15%، وبالتالي هي أموال ستبقى في البلد على عكس الاموال التي جلبتها بنوك أخرى ووظّفتها في «الهندسة المالية» التي نفذها مصرف لبنان العام الماضي، ودرّت عوائد بنسبة 39%. واعتبرت أن من حق البنك أن يطلب شموله بـ«الهندسة» ولا ضير في ذلك.

وبحسب مصادر قريبة من إدارة المصرف، فإنه طلب من المصرف المركزي تخصيصه بهندسة مالية مشابهة لتلك التي نفذها مصرف لبنان للهندسات المالية الأخيرة، أي الاستحواذ على سندات تحملها المصارف بقيمة ١٣٨٪ من سعرها الأصلي، مقابل أن تعمل المصارف على اجتذاب ودائع طازجة بالدولار. لكن الفرق بين الهندسات المنفذة وتلك التي يطلبها «سيدروس»، أن الأخير استقطب مبالغ طازجة بالدولار وضعها ضمن رأس ماله، ما أدّى إلى رفع نسبة ملاءة المصرف وتغطية المتطلبات المحاسبية الدولية وتغطية المؤونات المطلوبة منه والاستعداد لتنفيذ خطّة توسع وخطة تسويقية. ولم تأت هذه المبالغ إلى «سيدروس» في سياق الهندسات التي استفادت منها باقي المصارف، ولا سيما تلك التي استقطبت الودائع بالدولار من خلال منتجات مصرفية تضمنت تقاسم العوائد المحققة من الهندسة بين المصرف والزبون.

وبالتالي، ترى المصادر أن الفرق بين الاثنين هو أن الودائع التي جذبتها المصارف لها مدّة استحقاق هي عرضة للخروج من لبنان عند الاستحقاق وستؤدي إلى مفاعيل عكسية، أي تزخيم الطلب على الدولار خلافاً للدولارات التي استقطبها «سيدروس» ووضعها ضمن رأس ماله، فهي باقية ولن تخرج، وبالتالي تستحق الاستفادة من الهندسات أكثر من غيرها.

الضجيج

ضجّت الأوساط المصرفية بأخبار هذه الخطّة، ليس لأنها «وقحة»، إذ إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سمح دائماً بمثل هذه «الوقاحة»، وسبق أن وزّع الارباح من المال العام بالجملة والمفرق، وشجع كل مصرف على طلب المزيد. وتكفي الاشارة الى أن «الهندسة المالية» التي ينفذها سلامة منذ أيار من العام الماضي، منحت 35 مصرفاً أرباحا تتجاوز 5.5 مليارات دولار حتى الآن، وتبيّن أنه نفّذ “هندسة” خاصة لبنك البحر المتوسط منذ عام 2013 وضخ اليه ما لا يقل عن 575 مليون دولار من الارباح الاضافية الاستثنائية في 4 سنوات، من أجل مساعدة الحريري على الخروج من أزمة «سعودي أوجيه» المالية.

سبب الضجّة أن المصرفيين يعتبرون الطلب الذي تقدّم به «سيدروس إنفست بنك» أشبه بمحاولة «ابتزاز»، في سياق الضغوط الجارية لتجديد ولاية سلامة حاكماً لمصرف لبنان، إذ يجري تسويق الخطّة التوسعية كما لو أنها «حصّة العهد»، مقابل قبوله بتجديد ولاية الحاكم ست سنوات اضافية، باعتبار أن إدارة المصرف المذكور قريبة سياسياً وشخصياً من رئاسة الجمهورية.

وتشير المصادر إلى أن مصرف لبنان هدفه استقطاب هذه الدولارات، وبالتالي لن يقوم بأي عملية إلا في هذا السياق، ولا شيء يجبره على أن يخصص «سيدروس» بأي هندسة مالية إلا في إطار تلبية حاجته للدولارات، وهي الحاجة نفسها التي دفعته إلى تنفيذ الهندسات. أما المبلغ الذي يطلبه «سيدروس» في سياق تنفيذ هذه الهندسات، فلا يتجاوز ٤٠ مليون دولار، خلافاً لما يشاع، علماً بأن هذا المبلغ يمثّل الكلفة التي دفعها المصرف لاستقطاب المبالغ، وهو يمثّل معدل ١٥٪، أي أقل بكثير من المعدلات التي تراوحت بين ٢٠٪ و٣٠٪، والتي دفعتها مصارف أخرى.

دور الوزير خوري

يُعتبر وزير الاقتصاد والتجارة، رائد خوري، أحد أبرز مؤسّسي هذا البنك، وهو كان يتولى رئاسة مجلس الادارة والادارة التنفيذية قبل تسميته (من حصّة رئيس الجمهورية) وزيراً للاقتصاد. وعلى الاثر، قرر خوري التخلي عن منصبه في إدارة البنك وتكليف فادي عسلي خلفاً له، منعاً لـ«تضارب المصالح»، علماً بأن مصرفيين يجزمون بأن خوري لا يزال يتابع شؤون المصرف، ويحضر اجتماعات عدة، بينها اجتماعات عقدها وعسلي مع رئيس مجلس إدارة «جمال تراست بنك» أنور الجمال، في محاولة لإقناعه ببيع مصرفه اليهم.

خوري لم يتوانَ عن استخدام صلته برئاسة الجمهورية كي يقنع الجمال بأنه قادر على تذليل اعتراضات رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرفض انتقال ملكية البنك من «مساهمين شيعة» الى «مساهمين آخرين»!

ويتناول مصرفيون أخباراً عن مساعي «سيدروس» للتوسع أو الاستفادة من سياسات يعتمدها حاكم المصرف المركزي، باعتبارها تسيء الى رئيس الجمهورية وتصوّره وكأنه يتخذ موقفاً سلبياً من سياسات سلامة النقدية ونتائجها، بهدف اقتطاع حصّة له من المنافع المصرفية على غرار بقية أركان السلطة. إلا أن تدقيقاً في ملكية «سيدروس بنك» (قبل زيادة رأسماله أخيراً) يُظهر أن مجموعة «سيدروس إنفست بنك» تملك نحو 85% من رأسمال “سيدروس بنك” ويملك رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس (أبو رخوصة ما غيره)، والمقرّب من الرئيس الحريري، نحو 15%. أمّا “سيدروس إنفست بنك” فيملك رجل الاعمال السعودي ابراهيم بن عبد العزيز الجماز نحو 10% من رأسماله، ورجل الاعمال سعيد فايز خلف 10%، إضافة الى مجموعة من المساهمين الذين تقل حصصهم عن 10%، من ضمنهم الوزير خوري نفسه (3.5%)، وعسلي (3.5%)، بما يشير، عملياً، الى عدم وجود أيّ ملكية لأحد أفراد أسرة رئيس الجمهورية، أو قيادات التيار الوطني الحر، في أي من الشركتين.