بعد رفض لبنان تسلّم هبة ذخائر مقدّمة من وزارة الدفاع الروسية للجيش، ثم طلب تحويلها إلى الأمن الداخلي، دخل مصرف لبنان على خطّ عرقلة تنفيذ اتفاقية عسكرية بين لبنان وروسيا، إذ يضع شروطاً تعجيزية على شركة «كاماز» الروسية عبر منعها من فتح اعتمادات في البنوك اللبنانية
فيما لا توفّر روسيا وسيلة لتفعيل سُبل التقارب مع لبنان، لا ينتهي مسلسل التهرّب اللبناني من العروض الروسية المتعلّقة بالتعاون العسكري بين البلدين، من تسليح وصيانة وتدريب. لا تزال القوى السياسية تُصرّ على إبقاء الجيش تحت رحمة الولايات المتحدة وحدها، التي ما كانت لتنجح في إجهاض كل اتفاقية لبنانية ــــ روسية لولا الخنوع اللبناني وانصياع فئة سياسية لتهديداتها. لا تلبَث واشنطن تُبدي انزعاجاً واضحاً من استعداد الجانب الروسي لتقديم المساعدات للجيش اللبناني حتى تضرب الاتفاقيات بين البلدين الواحدة تلوَ الأخرى. فواشنطن التي تُعطي لنفسها الحق في التدخل بشأن سيادي، لم يعُد تأثيرها يقتصر على القوى السياسية وفق ما تشير آخر المعطيات، ولا على رفض لبنان تسلّم هبة ذخائر مقدّمة من وزارة الدفاع الروسية إلى الجيش، تضم ملايين الطلقات المتعددة العيارات لبنادق رشاشة ومتوسطة، بقيمة خمسة ملايين دولار. «الفرعنة» الأميركية امتدت لتطاول القطاع المصرفي بهدف استخدامه ضد الشركات الروسية وبموافقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكأنه لا يكفي تكيّف القطاع المصرفي اللبناني مع قانون العقوبات الأميركية على المصارف والمؤسسات المالية والأشخاص «المتعاملين مع حزب الله» عبر خريطة طريق تنفيذية تجرى بإشراف البنك المركزي، حتى التزم حاكم مصرف لبنان بالعملية الممنهجة لضرب أي تعاون روسي ــــ لبناني، عبرَ وضعه العراقيل أمام طلب الجيش اللبناني فتح اعتمادات في البنوك لتنفيذ اتفاقيات عسكرية موقعة مع شركات روسية.
آخر فصول هذه العملية جرى بعدما أرسلت وزارة الدفاع اللبنانية ــــ المديرية العامة للإدارة، قبل نحو شهرين ونصف شهر، كتاباً الى مصرف لبنان، تطلب من خلاله فتح اعتماد مستندي من أجل تنفيذ اتفاقية مبرمة مع شركة «كاماز» الروسية. وهي اتفاقية تنصّ على تسليم الجيش حوالى 104 آليات (عبارة عن صهاريج ورافعات وقاطرات). وتُعدّ هذه الآليات بشهادة عدد كبير من الخبراء العسكريين «من أجود أنواع الآليات التي تستخدمها المؤسسات الحكومية والجيوش في مختلف أنحاء العالم، إذ إنها تتناسب مع كل الظروف الجغرافية والمناخية». وقد ارتأى الجيش، بعد عدة تجارب وزيارات لمصانع في روسيا عام 2017 ، استيرادها نظراً إلى حاجاته الملحّة، وخصوصاً لأفواج الحدود البرية. المفارقة بحسب الكتاب (الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه) هي أن الإعتماد المستندي سيفتح بالليرة اللبنانية وفي أحد المصارف اللبنانية الخاصة. وهو إجراء إستثنائي تقوم به أي مؤسسة غير لبنانية بهدف التسهيل. فمن النادر جدّاً أن تقبل شركة أجنبية بتوقيع اتفاقية بيع أي سلعة بالعملة الوطنية للبلد المستورد. ووافق الجانب الروسي على الأمر، بحسب مصادر دبلوماسية روسية «بما يتناسب مع تعليمات حاكمية مصرف لبنان، والحاجة اللبنانية لهذه الآليات».
«كاماز» غير موضوعة على «أوفاك» أو لوائح العقوبات الأميركية
غيرَ أن الأمور لم تسلُك مسارها الطبيعي. فقد فوجئ الجانب الروسي بجواب من البنك اللبناني الذي تقرر فتح اعتماد فيه، يقول إن مصرف لبنان يضع شروطاً تعجيزية لفتح الاعتماد، ما اضطره الى إعادة الطلب من المصرف المركزي. والأخير طالب المديرية العامة في الجيش اللبناني بأن يأتي المورّد بحساب آخر وتفسير تفصيلي عن الاتفاقية. فما كان من المورّد إلا أن تقدّم بشكل رسمي بحساب مصرفي في بنك آخر وبالعملة اللبنانية، ما دفع المديرية نهاية الشهر الماضي إلى إرسال طلب جديد الى مصرف لبنان. وبعد حوالى شهر، تبلغت الشركة عبر وسطاء وبشكل شفهي رفض فتح الاعتماد. الجيش اللبناني قامَ بكل ما يلزم من جهته، وطلب فتح اعتماد من مصرف لبنان للشركة حتى يتمكن من تسديد ثمن الآليات. وفي 31 تشرين الأول الماضي، أرسل وزير الدفاع الطلب، وحتى الآن لم يتمّ تحويل الأموال. العرقلة مستمرة بأكثر من وسيلة وطريقة. تبدأ برفض فتح حساب لتسلم الاعتماد من مصرف معني. وإذا وجد مصرف آخر، تبدأ العرقلة حينها من المصرف المركزي بعدم تحويل الاعتماد. وبحسب مصادر دبلوماسية «جرت محاولات لإقناع المصرف المركزي على مستوى وزاري، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تهرّب من الأمر»، علماً بأن شركة «كاماز» غير موضوعة على لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأميركية «أوفاك» أو لوائح العقوبات الأميركية، وتتعامل معها الدول الخليجية الواقعة في الحضن الأميركي. فـ«كاماز» لديها حسابات بنكية في مصر ودبي وقطر وأكثر من دولة عربية حليفة لواشنطن. فلماذا تستطيع هذه الدول أن تحافظ على قدر من الحرية في التعامل مع هذه الشركات، فيما لبنان لا يستطيع ذلك؟