في حديث الـى”النهار” أطل فيه على العام 2015، لم يخف رئيس الحكومة تمام سلام تعبه وقلقه من مآل الاداء الحكومي والسياسي في وجه التحديات الجسام التي تواجه البلاد. يقول بأسى:”لست مرتاحا لأن حكومتي لا تنجز ولأننا ننحر نظامنا الديموقراطي”. لكن الرجل الذي عُرف بصبره وطول أناته، إستمر في تحمل مسؤولياته، محصنا بقرار داخلي ودعم دولي، لحماية الاستقرار وصونه وتحييد البلاد عن الصراع المذهبي والطائفي والارهابي الذي يعصف بالمنطقة ويغيّر وجهها ووجهتها.
لم تتغير لهجة سلام طوال الاشهر الاثني عشر من 2015 بل ازداد قلقاً وامتعاضا مع كل تعثّر واجهته حكومته او خلافات قسَمت بين أعضائها. لم ينجح في تحييد حكومته كما ظل يطالب، عن الخلافات السياسية وحصر مهمتها بتسيير شؤون الناس، فظلت الازمات تلاحقه، الواحدة تلو الاخرى حتى بلغت أوجها مع تفجر أزمة النفايات لتعطل الحكومة لأكثر من 3 أشهر على التوالي.
ورغم كل التهديدات أو المزايدات أو التطاول على صلاحياته والسعي إلى تقاسمها معه أو حتى وصف الحكومة بـ”القاصرة”( العماد ميشال عون)، ظل سلام معتصما بصمته، انطلاقا من مبدأ إلتزمه منذ توليه السلطة، يقوده الى الابتعاد عن أي سجال بين القوى السياسية أو أي كلام يطاله شخصياً من أي جانب، حفاظاً على حياده ونأيه من موقعه على رأس السلطة التنفيذية عن الدخول طرفاً، وهو ما اعتبره “أقوى اسلحته للصمود”، مكتفياً بالتفرج على مشهد لا يعكس بالنسبة اليه الا مستوى الإفلاس الذي بلغته البلاد، تحت وطأة التعطيل الذي يشل عملها ومقدراتها ومؤسساتها.
يقف سلام مراقبا ومتابعاً لما يطال حكومته، وتحديد مصيرها، ويترك لنفسه الكلمة الفصل، في التوقيت الذي يجده مناسبا، تماماً كما في تحديد موعد انعقادها او تحديد جدول أعمالها.
يعي ان التلويح بالاستقالة لم يعد نافعاً. رفع مرة الصوت عاليا أمام المتحاورين محذرا من مغبة الاستمرار في سياسات التعطيل نظرا الى تداعياتها الخطيرة على البلاد والاقتصاد والمالية العامة، ولكن من دون نتيجة. فالحسابات السياسية في مكان آخر، ولا وقت لأي من متعاطي السياسة للنظر إلى الحكومة. المهم أن تبقى صامدة حتى يحين أوان استقالتها. ولأن هذا الاوان لن يحين قبل نضج التسوية، فإن بقاء الحكومة لا يزال حاجة، وقد يكون تفعيلها ايضا حاجة في الوقت الضائع الفاصل عن التسوية.
هكذا، أُقفل ملف النفايات في الجلسة الاخيرة من العام، ليس فقط لأن الملف يحتاج الى ان يقفل، ولكن لأن سمعة الحكومة ومستقبلها باتا على المحك بعدما كان سلام أبلغ من يعنيهم الامر أنه لم يعد قادرا على الصبر والتحمل. ومن هذا المنطلق، وبعد جلسة الحوار الاخيرة، ينتظر أن يشكل الوضع الحكومي أولوية في المرحلة المقبلة حتى تتكشف ملامح التسوية الرئاسية.
والواقع أنه لم يكن ينقص حكومة الرئيس سلام وسط عامها الثاني إلا شغور في سدة الرئاسة الاولى، أفقده حليفاً وشريكاً في إدارة الازمة السياسية المستفحلة في البلاد بفعل الاصطفافات الحادة والمواقف المسبقة التي جعلت من حكومته، على رغم جمعها لكل التناقضات القائمة، حكومة المساكنة القسرية، العاجزة عن فض النزاعات، حتى لو كانت من طبيعة خدماتية أو إقتصادية أو ذات طابع ضرورة قصوى! فظلت بذلك محكومة بسقف عال من الخلافات التي عطلت إنتاجيتها وحجبت عنها أي قدرة على احتواء أو معالجة أي ملف من خارج التوافق المسبق في حوارات موازية شكلت الظل الحقيقي لها، ثنائياً كانت بين “حزب الله” وتيار “المستقبل”، او وطنية جامعة لجميع القوى السياسية تحت قبة المجلس النيابي او في عين التينة كما هو حاصل اخيرا.
قد يُظلم سلام كثيراً بوصف حكومته بعد عامين على تشكيلها، وما نجحت في إنجازه على المستوى الامني، بحكومة النفايات، بعد تفجر الازمة إثر إقفال مطمر الناعمة في تموز الماضي، علما انه لم يُترك له أي هامش للتحرك أو أخذ القرار. ولكن الواقع أن الحكومة لم تشكُ من النفايات بمعناها الحقيقي بقدر ما شكت من “نفايات سياسية” على حد توصيف رئيسها، إذ تميز إداء بعض أعضائها بالمماطلة والاستهتار بمصالح المواطنين حتى نفد صبر رئيسها الذي لم يتردد في التلويح بالاستقالة تحت وطأة ذلك الاداء، لكنه كان يصطدم دوما، وأمام كل محطة من محطات التعطيل بإجماع محلي ودولي على ضرورة الاستمرار، إنطلاقا من اقتناع ساد الداخل كما الخارج بأن على الحكومة السلامية تحمل مسؤوليات الفراغ الرئاسي وتعطل المجلس، فيما حرص “حزب الله” على عدم التفريط بالحكومة التي وفرت لتورطه في سوريا الغطاء الشرعي.
غياب لبنان عن الرادار الدولي طوال العام المنصرم لم يُسقط مظلة الدعم لحكومة سلام ولحماية الاستقرار مع كل ما يعنيه أو يحمله من عناوين متشعبة: النأي بلبنان عن النار السورية، تحمل أعباء اللجوء وارتداداته، مواجهة الارهاب التكفيري واحتوائه. والغرض من ذلك منع التمدد الارهابي نحو الغرب إنطلاقا من كون لبنان آخر بوابات الدفاع، وإبقاء النموذج اللبناني حياً ومثالاً يحتذى، عندما تنضج المعالم الجديدة للمنطقة.
لقد شكل الشغور الرئاسي ذريعة مهمة تلطى وراءها فريق سياسي لشل عمل الحكومة، تارة تحت عنوان مقاربة جديدة لآلية ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية المنوط به مجتمعاً بفعل الشغور، وطورا تحت مطالب اخرى ابرزها وأكثرها تعقيداً كان ملف التعيينات العسكرية الذي لا يزال يشكل حتى الآن عنواناً خلافيا إلى جانب الآلية ويمنع الحكومة من الاجتماع.
بالارقام، يتكشف حجم المأزق الحكومي: 39 جلسة حكومية في عام واحد، و66 جلسة في عام و7 اشهر وتحديدا منذ بدء الشغور الرئاسي خصصت ساعاتها الماراتونية لجدل حول عناوين عدة، قليلة هي التي اتخذت في شأنها قرارات فورية او سريعة، بدءا من ملفي عرسال والعسكريين المخطوفين مرورا بسلسلة الرتب والرواتب والموازنة، وصولا الى الالية والتعيينات وبنود الضرورة.
ولم يكن وضع الحكومة في السياسة الخارجية أفضل، في ظل الانقسامات الفاضحة في المواقف حيال المسائل المطروحة، وليس موضوع انضمام لبنان الى التحالف الاسلامي الا دليلا إضافيا على ذلك، علما انه في المسائل المتعلقة بالحرب السورية، وجدت الحكومة نفسها في السير بالاجماع والنأي عن الاختلاف.
لم يكن للوضع الاقتصادي والمالي اولويتهما امام الاجندات السياسية والامنية المزدحمة. لكن تشريع الضرورة نجح في إطالة فترة السماح المتاحة لإبعاد كأس الانهيار والتخلف وضرب السمعة المالية لا سيما حيال العقوبات المالية الدولية.
2015 عام انقضى وسط مسحة من التشاؤم والقلق لم يبددها الا النجاح في الصمود، فيما تطل 2016 محملة بأثقال سلفها، مع بصيص أمل واحد أن يخرج الاستحقاق الرئاسي من رحم التسوية الكبرى لتبقى الدولة.