يبدو أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تستكمل النهج والأسلوب اللذين اعتمدتهما وانتهت بهما حكومة حسان دياب، في تضييع الوقت وهدر اموال الدعم لصالح جيوب المهربين والكارتيلات.
فلا هي وجدت ضالتها ولا الدعم وصل لأصحابه، فبدلاً من تحرير سعر الصرف والاعتراف بالأزمة النقدية وتفاقمها، والعمل جدياً لتحرير رواتب العمال والموظفين من خلال رفع الحد الادنى للأجور ليوازي غلاء المعيشة، بعدما حوّلها التضخم الى قروش، تذهب الى رفعه لتترك المواطن يواجه قدره بدون ادنى مساعدة مالية تخفف من وطأة العوز والذل في كل القطاعات..
هكذا تدفع بالمواطن لأن يفقد الأمل، بعدما رهنته للذلّ على المحطات وجشع التجار والمحتكرين، وتغييبها المقصود للاجهزة الرقابية التي من شأنها أن تضبط الأسعار وتحدد الآلية في حماية وتوجيه المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية المحلية، قبل رفع الدعم عن المحروقات بإعتبار أن مادة المازوت هي الاساس من حيث الكلفة، مما جعلها لا تتأثر بتراجع الدولار من 23 ألف ليرة الى حدود الـ 13 الف ليرة على وقع تشكيل الحكومة، واذ بالتجار والسوبرماركت يستمرون بالبيع على سعر صرف 25 ألف ليرة للدولار، بحجة عدم استقرار الدولار وبسبب بورصة المحروقات في السوق السوداء وارتفاع الكلفة ما يجعلها تنعكس مباشرة على المستهلك.
لا تعرف سعاد عمار في البقاع الغربي لمن تشتكي، ومن يمكن ان يفسر لها بقاء الاسعار على حالها منذ ما قبل تراجع الدولار، قالت “بيطلع الدولار بتصير كل الاسعار عالدولار، وبينزل الدولار بتصير بضاعته شاريها بالليرة، جشع ما الو نهاية”.
أما حليم الموظف في دائرة رسمية يحتار كيف يمكن أن يوزع راتبه (المليونا ليرة) على الاولويات، لتكفيه طيلة الشهر، قال “المنتجات الزراعية من الخضار ارتفعت بين السبعة والعشرة أضعاف”، أما المواد الغذائية “حدث ولا حرج”، يردف بتأفف “لا يمكن ان نستمر في وقت تم رفع الدعم عن كل المواد، ما لم تحرر رواتبنا”.
جورج عقل موظف في دائرة رسمية يرى أن الاستمرار في ظل هذه الأزمة أمسى من المستحيلات “لأن راتب مليونين ونصف مليون ليرة لم يعد يكفينا اسبوعاً، فاتورة كهرباء المولد لا تقل عن 500 الف ليرة، وتنكتين بنزين بالشهر بـ 500 الف ليرة عدا عن كلفة مازوت التدفئة التي تصل لـ700 الف ليرة في حدها الادنى، وكلفة نقل ابنائه الثلاثة الى المدارس مليون ونصف”، لم يحتسب بعد كلفة الاكل والشرب واللباس والادوية والاستشفاء.
يعيد ماجد صاحب سوبرماركت في البقاع الاستمرار في رفع الاسعار الى كلفة النقل التي ارتفعت فجأة، وقال “للأسف مع تدني سعر صرف الدولار فور تشكيل الحكومة رفع الدعم عن المحروقات، لذلك لم يطرأ اي تحسن بالاسعار، لان كلفة النقل وكلفة الكهرباء والتبريد وغيره اصبحت مرتفعة جداً.
بدوره رئيس تجمع الفلاحين والمزارعين ابراهيم الترشيشي أكد أن مشكلة ارتفاع الاسعار وخاصة المنتجات الزراعية، لها علاقة مباشرة بمادة المازوت التي لم يستطع المزارعون او الصناعيون تأمينها الا من السوق السوداء باسعار وصلت الى 400 الف ليرة، يومها رفعنا الصوت عالياً وطالبنا الحكومة والمعنيين تأمين المازوت، لان بحال لم يؤمن، المساحة الزراعية تضيق بسبب ارتفاع الكلفة، وبالتالي ترتفع الاسعار على المستهلك، وأضاف لذلك ارتفاع الاسعار ليس بسبب التصدير لان حالياً نسبة التصدير متدنية جداً، ولا يصدّر لبنان خضار البندورة والخيار والمقتي والفاصولياء واللوبياء والبقدونس.
وكشف الترشيشي ان هناك مزارعين بعدما زرعوا مساحات واسعة تفاجأوا بانقطاع المازوت وارتفاع سعره في السوق السوداء، مما دفعهم لأن يتلفوا نصف المساحة التي زرعوها وقدرت بمئات الدونمات.
وعن انخفاض الاسعار قال “اذا استقر وجود المازوت وبسعر محدد من الطبيعي ان تتراجع الاسعار”، وحذر من استمرار فتح قنوات لمافيات المحروقات للتحكم بمصير الزراعة والصناعة، لأن هذه السياسة تأخذنا جميعاً نحو المجهول.
وقال: هناك منتجات زراعية من فواكه وعنب ودراق وغيره مقارنة بسعر الدولار وكلفتها متدنية مما يجعلها رخيصة اكثر، ولفت ان الحل بثلاث نقاط بعد رفع الدعم عن كل شيء، اولاً برفع الرواتب والأجور، أو بتخفيض سعر الدولار، او بتوزيع عادل وانساني للبطاقة التمويلية بأسرع وقت ممكن.
وأوضح أن دعم الطحين سرق ونهب، ليسأل كيف يعقل ان النخالة تصدر الى الخارج فيما لبنان يستورد العلف؟ وختم: من غير المنطقي بهذه الازمة ان نطالب وزارة الزراعة التعويض او مساعدة المزارعين، انما العكس المطلوب ان نقف الى جانب هذه المصالح، وطالب وزارة الزراعة ان تقوم باصلاح ما تم تعطيله وتعطيل التصدير خاصة في المرفأ.
من جهته رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في البقاع جهاد المعلم، في حديث لـ”نداء الوطن” اعتبر أن ما وصل اليه حال العمال والموظفين هو نتيجة طبيعية لغياب العمل النقابي، وفي طليعته الاتحاد العمالي العام الذي يفترض بهذه الظروف أن يكون الى جانب العمال والموظفين وحقوقهم لا الى جانب هذه السلطة التي افقرت الناس، والا يتركهم يواجهون مصيرهم مع سلطة دمرت البلد تدميراً منظماً وأخذته الى الهاوية”. كما دعا الاتحاد العمالي العام الى عدم الرضوخ للتسويف والضغط وضرورة الاسراع ببت زيادة الاجور ورفع الحد الادنى، وقال: “من غير المنطقي والانساني ان تبقى الأجور على ما هي عليه، لا يكفي أن عمال لبنان ولا مرة حصلوا على حقوقهم لتأتي هذه الأزمة وتقضي على كرامة المواطن، وتابع أن غالبية المؤسسات التجارية رفعت اسعارها وارباحها بناء لسعر الصرف في السوق السوداء، سوى رواتب العمال لديها بقيت كما هي حتى أصبحت اجور ورواتب الموظفين لا تكفي الموظف ثمن محروقات لاسبوعين بحده الاقصى، وأضاف “اليوم الحد الادنى للأجور لا يصل الى5 % من قيمة المعيشة اليومية، “يعني ما بكفي عيلة ثلاثة ايام”.