IMLebanon

استبدال سلامة في هذا التوقيت خطأ كارثي

ليست المرّة الأولى التي يُحكى فيها عن تغيير مُحتمل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكنّ هذه المرّة الكلام جدّي أكثر من السابق، ويدخل في سياق تجديد أغلبيّة المراكز الحسّاسة ضُمن الإدارة اللبنانيّة، إستكمالاً للتعيينات الأمنية والقضائيّة والإداريّة. فهل فعلاً سيتمّ إستبدال سلامة بحاكم جديد لمصرف لبنان، وماذا عن الإرتدادات المُرتقبة لهكذا خطوة؟

لا شك في أنّه تُوجد حالياً أكثر من جهة سياسيّة تضغط لتغيير حاكم مصرف لبنان، بحجّة أنّه لا يزال في منصبه منذ آب من العام 1993، حيث كان يفترض أن تستمرّ ولايته ست سنوات، لكن جرى تمديدها ثلاث مرّات، وتحديداً في الأعوام 1999 و2005 و2011، ما يستوجب عدم التجديد له لولاية إضافية. كما يتعرّض سلامة أيضاً لإنتقادات تتناول سياسته الماليّة، بحجّة أنّها تصب في صالح المصارف، وتخدم «حيتان المال» حصراً، إلى ما هناك من تهم تُطلق بين الحين والآخر. إشارة إلى إنّ حاكم مصرف لبنان، وكذلك نوابه الأربعة، والمجلس المركزي للمصرف، يرتبطون كلّهم بقرار السُلطة السياسيّة، ما يعني أنّ إستبدالهم وارد، علماً أنّ ولاية الحاكم سلامة تنتهي في نهاية تموز المُقبل، أي بعد أربعة أشهر.

وعن هذا الموضوع الحسّاس، أكّدت أوساط إقتصاديّة مُطلعة أنّ التداول في السلطة، ومنها السلطة المالية، واجب وحق طبيعي، وأنّه من غير المنطقي أن يبقى حاكم مصرف لبنان في منصبه إلى الأبد، لكنّها نبّهت إلى أنّ عمليّة تغييره يجب أن تتم في أجواء هادئة إقتصادياً ومالياً، ومُستقرّة سياسياً، وخالية من أي ضُغوط وعُقوبات مالية خارجيّة، مُشيرة إلى أنّ أيّا من هذه الظروف غير مؤمّن حاليًا! ونبّهت الأوساط نفسها إلى أنّ الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب صعّدت أخيراً ضُغوطها المالية على لبنان، وهي باتت مُتشدّدة أكثر من أيّ وقت إزاء أي تحويلات مالية إلى الخارج، أكانت قيمتها صغيرة أم كبيرة، في إطار ما تعتبره حربًا على مصادر تمويل الإرهاب.

وأشارت الأوساط الإقتصاديّة نفسها إلى أنّ إعتقال رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين وتسليمه إلى السُلطات الأميركيّة، وفرض وزارة العدل الأميركيّة عُقوبة مالية قدرها 700,000 دولار على الجامعة الأميركية في بيروت، ما هي سوى بداية التصعيد المالي المُرتقب على لبنان، و«رأس جبل الجليد»، إذا جاز التعبير، وذلك بهدف مُحاولة قطع الإمدادات المالية التي يتلقاها «حزب الله»، وكذلك بهدف مُعاقبة أي جهة أو شركة أو شخص يتعامل مالياً مع «الحزب». وكشفت هذه الأوساط أنّ الضغوط التي تتعرّض لها المصارف اللبنانيّة حالياً لكشف الحسابات الخاصة بالتحويلات العالمية، تفوق بكثير تلك التي تعرّضت لها خلال الولاية الثانية من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وتوقّعت الأوساط نفسها أن تُمارس إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب ضُغوطًا تصاعديّة على المصارف اللبنانيّة، بدأت بوادرها بالظهور حالياً، وتوقّعت كذلك أن تشمل العقوبات الأميركيّة لائحة جديدة من الشركات والشخصيّات اللبنانية في المُستقبل القريب.

وشدّدت الأوساط الإقتصاديّة المُطلعة على أنّ من سُلطات حاكم مصرف لبنان المُتعدّدة، تولّي منصب الرئيس لهيئة التحقيق الخاصة المعنيّة بمُكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ما يجعل الضغوط الدَوليّة على الشخص الذي يتولّى هذا المنصب كبيرة جداً، بخاصة في المرحلة الحاليّة. واعتبرت أنّه من غير المنطقي تعيين أيّ شخص في هذا المنصب بهذا الظرف، ومن دون تحضير مُسبق، ومن دون تهيئة الأجواء أمام الشعب اللبناني السريع التأثّر بالإشاعات، لأنّ أي حاكم جديد يفتقر إلى الخبرة المُتراكمة سيعجز عن التعامل مع هذه الضغوط بالسرعة اللازمة، الأمر الذي سينعكس سلباً على الإستقرار المالي، بينما الحاكم رياض سلامة نجح في تجاوز صُعوبات كبيرة، وأصبح يملك خبرة ممتازة في التعاطي مع هذا النوع من الضغوط المالية، وفي الإلتفاف على قرارات المُراقبة والحصار المالي الذي تُحاول الولايات المتحدة الأميركيّة فرضه.

وإذ إستغربت الحملات الداخليّة التي تستهدف حاكم مصرف لبنان، سألت الأوساط الإقتصاديّة المُطلعة «هل فوز سلامة بجائزة عالميّة مرموقة، كثاني أفضل رئيس بنك مركزي في العالم لعام 2016، هي لاعتبارات سياسيّة أو طائفية أو مصلحيّة ضيّقة، أم أنّها عبارة عن إعتراف دَولي من خبراء إقتصاديّين دَوليّين بصوابيّة سياسته الإقتصادية»؟ وأضافت الأوساط نفسها: «هل الخطة الخمسيّة لخفض ديون لبنان هي نتيجة لأهواء سلامة الشخصيّة، أم هي خطوة تمّت بالتعاون والتنسيق مع حكومات لبنان التي وجدت نفسها في عجز مالي كبير لتغطية نفقاتها»؟ وتابعت الأوساط سائلة: «أين أخطأ سلامة بالمُحافظة على الإستقرار النقدي،  وبتثبيت الليرة، بدل تركها في مهب رياح الضُغوط والإشاعات»؟. وأضافت: «أين أخطأ بتأمين الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي، منذ نحو ربع قرن حتى اليوم، وهل كان يُمكن عبور مطبّات حروب وإعتداءات إسرائيل على لبنان، وإرتدادات إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وما تلاه من إغتيالات، لولا السياسة النقديّة والمالية الإستيعابيّة لحاكم المصرف»؟ وأضافت: «هل كان يُمكن أن يتصاعد حجم رأس مال المصرف المركزي ويزداد حجم الودائع المالية فيه بنحو 10 أضعاف، لولا أجواء الإستقرار التي أشاعها سلامة وسياسته»؟ وتابعت الأوساط الإقتصاديّة نفسها أسئلتها بالقول: «هل يُمكن أن تبلغ نسبة نموّ الودائع المصرفيّة أكثر من 7 % في العام 2016، وأن يتمتّع مصرف لبنان بمُستوى غير مسبوق من إحتياطي العملات الأجنبيّة، لولا عامل الثقة الذي يُوفره سلامة والسياسة النقديّة والمالية التي يتبعها مصرف لبنان منذ فترة طويلة»؟

وختمت الأوساط الإقتصاديّة المُطلعة التي أكّدت أنّ إرتفاع الدين العام هو نتيجة عجز مالية الدولة وغرقها بالديون، وليس بسبب سياسة حاكم مصرف لبنان، كلامها بالتأكيد أنّ من حق السُلطة السياسيّة تعيين من تراه مُناسباً في المنصب الذي تراه مناسًبا، ومن حقّها الإستغناء عن خدمات حاكم مصرف لبنان، لكن ليس من حقّها إختيار توقيت غير موفّق وظروف غير مُؤاتية للقيام بهذه الخطوة، لأنّ النتائج ستكون كارثيّة على الإستقرار المالي والنقدي في لبنان، وبالتالي على الإستقرار الإجتماعي والمعيشي للشعب اللبناني ككل. ودعت الأوساط نفسها السُلطة إلى تمهيد الأجواء لانتقال سلس وهادئ لقيادة مصرف لبنان، وإلى إطلاق تعهّدات تُطمئن الشعب اللبناني أن عملته الوطنيّة لن تنهار كما حصل في منتصف الثمانينات، يوم تبخّر جنى عُمر الكثير من العائلات في أسابيع معدودة، وذلك قبل الإقدام على أي خطوة تغييريّة في منصب حسّاس جداً كحاكميّة مصرف لبنان.