بعد أيام تُطوى صفحة أميركا الأوبامية ويبدأ التسطير في صفحة أميركا الترامبية. وإستناداً إلى كشْف الحساب لثماني سنوات أوبامية فإن الذي يمكن إستنتاجه هو أن الرئيس أوباما بتبنيه التصريحات الناقدة لإسرائيل التي أدلى بها وزير الخارجية جون كيري وبالذات قوله قبل يوميْن من غروب العام 2016 «إن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة تهدد أمل السلام مع الفلسطينيين ومستقبل إسرائيل ذاتها…»، وكذلك عدم إستعمال «الفيتو» عند التصويت ضد قرار إتخذه مجلس الأمن ويقضي بالكف عن بناء المستوطنات، أحدث نقلة نوعية في التعاطي الدولي مستقبلاً مع الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي وبما يجعل قرار مجس الأمن نقطة الإنطلاق نحو بلورة موقف أكثر ثباتاً وشمولاً.
والذي يجعلنا متفائلين بحدوث ذلك هو أن فرنسا ستستضيف بعد 11 يوماً (15 كانون الثاني 2017) مؤتمراً للسلام الدولي الذي طالما حاولت إسرائيل تعطيل عقْده لكن الرئيس فرنسوا هولاند متمسك بالإنعقاد وهو في ذلك مثل الرئيس أوباما يريد تسجيل وقفة نوعية يتطلع الفلسطينيون إلى حدوثها وتكون بمثابة الختام له كونه قرر قبل بضعة أسابيع عدم ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثانية. وكما أنه سيصعب على الرئيس الأميركي الوريث دونالد ترامب التبرؤ مِن الذي إتخذه الرئيس السلَف أوباما فضلاً عن أنه إذا هو تبرأ سيجد قادة عرباً كثيرين يفضلون الإبتعاد عن أميركاه قدر المستطاع، فإنه سيصعب أيضاً على مَن سيخلف هولاند في رئاسة فرنسا إشتراكياً كان أم يمينياً متعقلاً أو يمينية متطرفة وبشراسة ترامب، التبرؤ من الإنجاز الذي سيحققه مؤتمر السلام في باريس والذي من المقرر أن يشارك فيه سبعون وزير خارجية ومندوبون عن مؤسسات دولية.
قبل الخطوة الأميركية المتمثلة بعدم إستعمال «الفيتو» كان ربما ينتكس المؤتمر الفرنسي وتتزايد الضغوط على الرئيس هولاند لثنيه عن عقْد المؤتمر في الحد الأقصى وتجييره في الحد الأدنى إلى العهد الوريث، وهذا يعني تمييع الفكرة. لكن بعد الخطوة الأميركية يصبح الإنعقاد مؤكَّداً، كما أن رموز الدبلوماسية الدولية المشاركين في إجتماعات باريس قادرون على خروج المؤتمر بما من شأنه تحريك عملية التسوية للصراع العربي – الإسرائيلي عموماً.
هنا نجد أنفسنا نلحظ تأثير العلاقة المتميزة للمملكة العربية السعودية وشقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي وبالذات دولة الإمارات بفرنسا، وهي علاقة يأخذ الرئيس هولاند في الإعتبار الكثير من رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي طالما أوضح للرئيس هولاند وكذلك للمئة وتسعة عشر من القادة العرب والمسلمين والأجانب، زاروه في الرياض وجدة للتشاور معه وتحادث مع بعضهم خلال زيارات وجولات خارج المملكة قام بها بعدما بويع ملكاً، كيف أن الحل العادل للصراع العربي- الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية من شأنه تحقيق إلتفاف على الفوضى والإرهاب. وتلك رؤية موضوعية ومِن شأن الأخذ بها جعْل العلاقات العربية – الدولية أكثر إستقراراً وبالتالي تزدهر المصالح كما لم تزدهر مِن قبل.
نصل إلى القول إن العام 2017 سيكون في بعض محطاته، عام إمتحان النوايا ومواقف الأصدقاء.. وبالذات إختبار نوايا الرئيس الأميركي المنتخَب ترامب الذي لولا أنه من الذين يتفوهون أحياناً بما يتناسب مع شخصه كرجل أعمال لكن يضره كرئيس للولايات المتحدة لكُنا اعتبرْنا أحدث تفوهاته بأن الرجل بات، أو أنه سيكون، ليكودياً أكثر من نتنياهو المجلَّل بإتهامات الفساد والذي رد على ما حدث في مجلس الأمن بإجراءات دبلوماسية تعكس خشية الفاقد أصول التصرف من خطوات دولية لمصلحة إنجاز التسوية الموضوعية. فهو(أي ترامب) في معرض إنزعاجه مما قاله الوزير كيري وتبنَّاه الرئيس أوباما وكذلك في ضوء عدم إستعمال «الفيتو» عند التصويت على القرار الذي إتخذه مجلس الأمن قال في تغريدة أشبه بالنعيق يوم الأربعاء 28 كانون الأول 2016 «لا يمكننا إستمرار السماح لإسرائيل بأن تُعامَل بمثل هذا الإزدراء الكامل وعدم الإحترام. إعتادوا أن يكون لهم صديق قوي في الولايات المتحدة ولكن الأمر لم يعد كذلك. كوني قوية يإسرائيل فالعشرون من يناير يقترب بسرعة…».
عندما سيتسلَّم ترامب رسمياً سيكون مؤتمر باريس أنجز ما هو مأمول إنجازه وفي الإتجاه الموضوعي والعملي. وعندها لا يبقى من ترامب سوى التفوه الذي لا يليق برئيس الدولة العظمى، والذي سيضطر عاجلاً أم آجلاً إلى تصحيح أفكار من مصلحة أميركا قبل مصلحته شخصياً إعادة النظر فيها.
عند الإمتحان يكْرم المرء أو يُهان… حتى إذا كان الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة دونالد ترامب.