كنا نتوقع من الرئيس باراك أوباما أن يفعل إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي ما فعله قبل ثلاثة أيام (الأحد 20 آذار 2016) عندما قام بزيارة تاريخية إلى هافانا هي الأُولى لرئيس أميركي يزور كوبا الجزيرة العصية على الخضوع، فيما هنالك إعتراضات كثيرة داخل أوساط في الإدارة الأميركية على هذه الزيارة مقرونة بإعتراضات مماثلة من ألوف الكوبيين المنفيين الذين إستقروا في ولاية فلوريدا الشاطئ المقابل لكوبا وفي ولايات أُخرى وبحيث بات هنالك على مدى نصف قرن جيليْن يحمل أفرادهما صفة الجيل الأميركي – الكوبي.
ربما يستهدف أوباما من هذه الزيارة الأُولى لرئيس أميركي منذ 88 سنة محو وزر المقاطعة الأميركية الظالمة للجزيرة المجاورة شاطئياً للولايات المتحدة.
وربما يتطلع إلى نيْل جائزة «نوبل» للسلام مستنداً في ذلك إلى أنه لم يتدخل حربياً في الأزمة السورية مع أنه أرسل حاملة الطائرات إلى مياه المتوسط وأرفق ذلك بالتهديد دون التنفيذ، تاركاً بعد أربع سنوات من إشتعال البيت السوري نيراناً حارقة أمْر التدخل الحربي ومن دون إعتراض للرئيس فلاديمير بوتين ربما بغرض توريط روسيا في حرب لا مجال للنظام فيها ولا للمنتفضين عليه الفوز فيها. وإلى إنهاء العداوات نشْر أجواء التوافق ثم الوفاق.
وربما لأنه كرجل قانون ينظر إلى الأمر من زاوية الجريمة والعقاب ويرى أن سَلَفه الرئيس جورج بوش الإبن ومِن قبْله والده إقترفا بذريعة المساعدة على إستبدال «نظام مستَبد»، في العراق بـ «نظام ديمقراطي» وكذلك المساعدة على تحرير نظام صديق من حالة إحتلال بعد غزوة تعرَّض لها من جاره العربي والمسلم، جرائم حرب في حق شعب ودولة. وثمة قرائن وإعترافات رسمية ووثائق تؤكد أن الذي فعله الرئيسان البوشيان بالعراق كان عدواناً وحالة إحتلال أدت إلى بعثرة جيش وإشاعة الفوضى التي تُهدّد الكيان وربما في ضوء التدخلات الإيرانية وتطلعات الزعيم الكردي مسعود بارزاني نحو قيام دولة كردية كتلك التي قامت في السودان وبمسمى «دولة جنوب السودان»، يتحوّل العراق إلى عدّة عراقات وتتبعه سوريا التي تتحوّل إلى عدّة سوريات. وكرجل قانون يريد الرئيس أوباما البقاء في منأى عن مغامرات الرئيسيْن اللذين إرتكبا في حق العراق وزراً هو جريمة حرب قد يأتي زمن تكون فيه المحاسبة الجنائية لهما ممكنة. وهو في ضوء رؤيته القانونية نفض اليد بنسبة ملحوظة من تداعيات الموضوع العراقي وبنسبة مماثلة من واجبات بلاده كدولة عظمى إزاء المحنة السورية، فضلاً عن تقليص ملحوظ للوجود العسكري في أفغانستان.
والأهم من ذلك إنه إختار من أجل ولاية رئاسية ثانية له الإنفتاح على الصين وقطَف ثمرة هذا الإنفتاح، وها هو يختار طي وزْر سابِِقيه من الرؤساء بحق كوبا فيزورها قبل تسعة أشهر من إنصرافه من البيت الأبيض عائداً إلى مكتب المحاماة وكتابة المذكرات. وغرضه من الزيارة فيما حُمى معركة الترشح للرئاسة الأميركية تبلغ أعلى درجاتها، خدمة الحزب الديمقراطي المنتمي إليه وتقريب مرشَّحَة أو مرشَّح الحزب من الفوز خصوصاً أن ضجيج الطرف الجمهوري وتحديداً الملياردير ترامب بدأ يوحي بأن أميركا قد ترتضي ترؤسه كما إختارت من قبْل الممثل الهوليوودي رونالد ريغان رئيساً عام 1981، وأورث لنا كعرب ومسلمين الرئيس جورج بوش الأب عام 1989 الذي على يديه بدأت عملية زعزعة المنطقة بالحرب على العراق أولاً ثم بقص شريط الفكرة الخبيثة وهي «الشرق الأوسط الجديد» الذي من مضامين بنوده، غير المعلنة بطبيعة الحال، الشروع في زعزعة الكيانات العربية مقدمة لتحويل كل بلد إلى عدّة بلدان وذلك بعد أن يبدأ العرب كمسلمين يحاربون بعضهم بعضاً وتنشأ عن الصراعات ولادة حركات تعتمد العنف وتمعن بالتالي تشويهاً بجوهر الرسالة. وهذا ما بدأت تعيشه الأمة من قبل أن تبدأ الإنتفاضة في سوريا ثم وصلت إلى ما تعيشه دول الأمة حالياً. والآتي ربما أعظم لا قدَّر الله.
لو كان الرئيس أوباما يريد بالفعل تنظيف السمعة الأميركية وإحلال ثقة العرب مسلمين ومسيحيين به وتصنيفه في التاريخ بعد سنين على أنه كان ثاني رئيس للولايات المتحدة، بعد الرئيس ايزنهاور، يعتمد التعقل وحُسْن التبصر والرغبة في محو الوزر الأميركي على نحو ما حاوْلنا الإضاءة عليه، لكان وفى بما سبق أن تعهَّد به في خطابه الشهير مِن على منْبر جامعة القاهرة يوم الخميس 4 حزيران 2009، وكانت مصادفة لافتة كونه ألقى الخطاب عشية الذكرى الثانية والأربعين لهزيمة 5 حزيران 1967. وهو لو وفى لاحقاً خلال ولايته الرئاسية الأُولى ثم الولاية الثانية بما تعهَّد به وبالذات قوله في الخطاب الذي هو أحد أطول خُطبه «ليس هناك أي شك من أن وضْع الفلسطينيين لا يطاق، ولن تدير أميركا ظهْرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم»… إنه لو وفى لكانت أميركا رمزاً لتحقيق العدالة ولكان يستحق بالفعل جائزة «نوبل للسلام».
ومع أنه حتى الآن لم يلتزم بما تعهَّد به وجعل تسوية العلاقة مع كوبا تتقدّم على جوهر العلاقة مع العرب وبالذات ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، فإنه قادر لو إرتأى جعْل مسْك ختام عهده قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، أن تكون القمة الخليجية الأميركية مطلع نيسان المقبل في الرياض ولقائه الثنائي بالملك سلمان بن عبد العزيز خير مناسبة لتجديد التعهد وبأن تكون الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول دورة إعلان قيام الدولة الفلسطينية. وهو في حال فعل ذلك تكون الثقة العربية عموماً به وثقة الصديق السعودي بالذات تجاوزت حالة الريبة بعد الذي نُشر قبل عشرة أيام في مطبوعة «إتلانتيك» حول «مبادئ أوباما» وإعتبرتْها السعودية أنها تفتقد التوازن المتأني عند الحديث من جانب رئيس الولايات المتحدة بالذات عن المملكة العربية السعودية ودورها الإقليمي، وكيف أن الإخلال بخصوصية هذه العلاقة وخصوصاً في أدق ظروف تعيشها المنطقة هو خدمة من جانب الإدارة الأميركية للنظام الإيراني وتشجيع لإستشراء عدم الإستقرار في المنطقة.
وفي أي حال ستكون القمة الخليجية – الأميركية في الرياض مناسبة لكي تُجادل «مبادئ سلمان» المستقيمة وجهاً لوجه وليس على الورق، «مبادئ أوباما» الملتوية.. ولأنها مواجهة بين رمزيْ دولتيْن صديقتيْن فإن «المبادئ» المستغرَب ربطها بالرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة قابلة للتعديل كون الـظروف والمصالح تفرض ذلك وبحيث لا تتباعد عن تلك، المبادئ المشترَكة التي وضعها الملك المؤسس عبد العزيز والرئيس الثاني والثلاثون للولايات المتحدة فرانكلين روزفلت عندما إلتقيا يوم 14 شباط 1945 على ظهر طرَّاد أميركي يرسو في مياه مصرية. وفي ذلك اللقاء وضع الزعيمان تصوراً للعلاقات بين بلديهما تتحمل إجتهادات ليست من نوعية «مبادئ» أوباما الذي إنحنى أمام راوول كاسترو وكان يتمنى مصافحة شقيقه فيديل المحتجب بداعي الشيخوخة. وأما الصورة التي إلتُقطت له تحت جدارية البطل الثوري غيفارا فإنها تُكتمل بصورة له تحت جدارية المسجد الأقصى وجدارية ياسر عرفات.