Site icon IMLebanon

سلمان.. الحكيم

لن يطول الزمن قبل أن يتبين أن معادلة جديدة ستحكم وتتحكّم بالمنطقة العربية والإسلامية عنوانها بأن توازن الرعب ينفي الرعب. وأن الذهاب قسراً مع الغاشي إلى حافة الهاوية، يمنع السقوط في تلك الهاوية. وأن كمشة من قوة توازي أطناناً من بلاغات الحق، وأن واحدة من أحكم حكم الزمان تربط اعتدال كفتي الميزان، بالعدل ذاته.

لم يكن التاريخ الأوروبي، قبل توازن الرعب النووي، سوى تكرار لمواجهات وحروب مدمّرة لم تترك شبراً واحداً في القارة العجوز إلاّ ولوّنته بالدم.. أطول فترة سلام مرّت فيها شعوبها وشعوب العالم بالإجمال، كانت تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية واكتشاف سلاح التدمير الشامل، والذي لولاه لكانت أزمة الصواريخ الكوبية في مطلع ستينات القرن الماضي مثلاً، حوّلت الكرة الأرضية مجدداً إلى ساحة حرب شاملة، في البراري والمحيطات بين الأميركيين والسوفيات، وحلفاء الأميركيين وحلفاء السوفيات.. الخشية من التدمير الإفنائي المتبادل، ألزمت الطرفين التراجع إلى الخلف، وجنّبت البشر ظلامات حرب عالمية ثالثة!

راح المثال بعيداً، لكن المبدأ نفسه بغضّ النظر عن التفاصيل ونوع السلاح: طالما أن هناك فريقاً يفترض أن كفّته في الميزان أثقل بالحديد والبارود من كفّة الطرف الآخر المليئة بكتب الأخلاق الحميدة والحكمة والشعر والنثر، فلا شيء يدفعه إلى مراجعة طموحاته أو أطماعه أو حساباته أو نزواته.. أقصر الطرق إلى العقل هي تلك التي تمرّ في العقل وليس في ذوات الصدور! والعقل المقصود هو الحكم البارد على الخرائط والمصالح وأحجام القوى والعسكر والجيوش وآليات الحرب بكل مراتبها ومستوياتها. ومهما كانت الدماء حارّة وحامية، والرؤوس أكثر حرارة وحماوة فإن مقاربة الشيء بالمثل تفتح باب الحكمة وتقفل أبواب الشر. أو بمعنى آخر: أقصر الطرق للمحافظة على السلام هو التلويح بالحرب!

منذ زمن وإيران تفترض أن لا أحد يذهب إلى ما تذهب اليه. ولا أحد أمامها يصدّها ويعيدها إلى الواقع من غربة أوهامها وأحلامها ومراميها وطموحاتها وجموحها.. ومنذ زمن، وجدت أن العرب كلمة غير صحيحة أو في غير مكانها وزمانها.. هناك أكثر من عرب! لم تخطئ الظن لكنها ذهبت في ذلك الظن بعيداً. زادت من الثقل حتى انفلق الحليم وضجّ الحكيم وأسقط في يد أهل الرجاء والكلمة الحسنة، والباحثين في حقول الشوك عن وردة ما!

صرنا اليوم أمام حالة جديدة: هناك من قرّر إعادة الروح إلى مصطلح العرب، وإعادة التوازن إلى كفتي الميزان، وأن يردّ على إيران بالمثل من دون أن يلعب لعبتها الفتنوية. وأن يدلّها غصباً عنها إلى الأكلاف المتقابلة لسياستها العدائية والعدوانية. وأن يبلغها شيئاً آخر غير الذي اعتادت على سماعه: أكثرية العرب والمسلمين تريد السلام، لكن إذا كان الطريق الى ذلك يمر بالمواجهة فليكن!

أحكم الحكماء من يذهب إلى حرب ليمنع حروباً. ومن يذهب إلى المواجهة ليمنع الفتن.. ومن هو ذاك غير الملك العزيز سلمان بن عبدالعزيز.