Site icon IMLebanon

“السالمونيلا” في لبنان و”أكَلَة الديناصورات” لا يبالون

 

أين الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء؟

في حين كان المسنون يقفون بالصفّ يشحدون “إكسير الحياة” وهم الفئة الأحقّ به الآن، كان بعض نواب الأمة يكشفون عن سواعدهم معززين مكرمين في مكاتب الأمة لتلقي لقاح لا حقّ لهم به، وكانت صبيّة مثل “طربون الحبق” تعاني الأمرّين من حرارة عالية وإسهال شديد وتقيؤ وجفاف، وهي التي سبق وعانت قبل حين من كورونا. هي تعمل في واحد من كبريات مستشفيات بيروت. أجروا لها PCR مرة ومرتين وثلاثاً فلربما أصيبت من جديد، في أقل من شهر، بالفيروس الشديد، الى أن اكتشفوا إصابتها بجرثومة السالمونيلا. أكلت دجاجاً فاسداً ملوثاً وأصيبت. ومثلها أمثلة في بلدٍ يشحد ومن زمان “الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء”. فأي بلاد هذه يعيش فيها أولاد البلد؟ وأين هذه الهيئة التي نادى بها كثيرون في بلاد لا حياة فيها لمن تنادي؟

 

هناك حالات من السالمونيلا في لبنان. في بلدٍ يتقاذف كل من فيه المشاكل منذ سنين كثيرة، إما بالتذرع بما هو أعظم “بالهمّ الكوروني مثلاً، وإما برمي المشاكل على الآخرين، وإما بالسكوت عن تلوث وفساد ظناً منهم أنهم قادرون دائماً على إخفاء الحقيقة غير عالمين أن الناس ما عادوا يأخذونهم على محمل الجدّ وما عادوا يثقون بهم لا في الأمور الصغيرة ولا طبعاً الكبيرة.

 

البارحة أقفل كل المعنيين في المسألة الصحيّة هواتفهم. فالفوضى الصحيّة، في مسألتي كورونا واللقاح، عارمة. وطبيعي ألا تهزهم حالات السالمونيلا. فكيف لهم أن يحذّروا الناس من تناول الدجاج الملوث وهم “يلوثون” كل القواعد الأخلاقية. وفي خضمّ كل هذا: بقيت الصبيّة في حال يرثى لها في المستشفى بسبب “ساندويش” دجاج من سناك قريب من المستشفى؟

 

أين “الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء”؟

 

نعم، في البلد هيئة وطنية يفترض أن تُعنى بسلامة الغذاء نشأت عام 2015 بعد عقود طويلة من الإلحاح بضرورة وجودها ولكن، حتى اليوم، حتى شباط 2021، لا وجود كيانياً لها سوى تعيين رئيس لها في 21 أيار 2018 هو الدكتور إيلي عوض.

 

ثمة أوضاع كارثية في الطعام وفي الشراب في لبنان. كلنا نعرف ذلك، لكن قلة تتذكر أن الأوضاع الغذائية الشائنة في لبنان استدعت إقرار قانون سلامة الغذاء في تشرين الثاني عام 2015، ومهمتها متابعة ومراقبة سلسلة الغذاء من الألف الى الياء. وهذه الهيئة مرتبطة برئيس مجلس الوزراء الذي يمارس سلطة الوصاية عليها. فأين هي؟ أليس من حقنا السؤال عنها حين نسمع عن تسمم غذائي وسالمونيلا وعن كثير من “القرف” والفساد؟

 

برو: ممنوع تمريرها

 

مصلحة حماية المستهلك في لبنان في وزارة الإقتصاد غائبة عن السمع. فهل سمعت جمعية حماية المستهلك بوجود تسمم وحالات سالمونيلا في لبنان؟ يجيب رئيس الجمعية الدكتور زهير برو “هناك حالات كثيرة تحصل. والهيئة لم يباشر العمل بها لأن وجودها يضرّ بالتجار لأنهم لن يعودوا قادرين على تصريف السلع الفاسدة”. كلام برو واضح ويعلل: “كل أمر يضرّ بالتجار ممنوع تمريره”.

 

يتحدث برو عن وجود السالمونيلا في لبنان ويقول “معظم حالات التسمم الغذائي في لبنان سببه وجود جرثومة السالمونيلا في الدجاج وفي سواها”. وهل تتلقى الجمعية شكاوى بهذا الخصوص؟ يجيب “هناك شكاوى ولكنّ هناك مواطنين كثراً ما عادوا يثقون حتى بوجوب تقديم شكوى. والأرقام يفترض أن تتعلق أساساً بمديرية حماية المستهلك التي عليها أن تتحرك وتفحص المطعم المرفوعة عليه الشكوى ومحاسبته. فالقانون موجود غير أن التطبيق في مكان آخر”.

 

وماذا عن الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء؟ يجيب برو “عيّن رئيس للهيئة لكن لم يعط الضوء الأخضر لمباشرة العمل لأن ذلك “سيضرّ بالشباب” (بالتجار الفاسدين) لذا يؤجلون بتّ العمل في الهيئة مثل كل شيء في البلد. بقينا 15 عاماً نقاتل كي تنشأ هذه الهيئة، وحين حصلنا عليها علقوها. إنهم يعملون لمصلحة زعامات وعائلات ويؤمنون مصالح ناهبي البلد لا مصالح الناس. وما حصل مع الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء يتكرر اليوم أيضاً مع نهب “الدعم”. انهم يتحدثون عن مواد مدعومة وينهبونها ويُرجئون البتّ بأيّ خيار آخر الى حين يستكملون هذه العملية. هؤلاء مشوا بهيئة سلامة الغذاء حين لم يعودوا قادرين على إرجاء البت بها لكنهم لم يصدروا المراسيم التنفيذية، مع العلم ان العالم كله حين يصدر قانوناً يقرنه بالمراسيم، ولو كان لمصلحتهم هنا لفعلوا”.

 

يفترض بالمواطن اللبناني أن يقاتل من أجل حقوقه. هذا ما يقوله رئيس جمعية حماية المستهلك.

 

هل علينا أن نكرر: الله يساعد المواطن اللبناني؟ تعدد الفساد وساد حتى في لقمة اللبناني. ووائل أبو فاعور، الذي كان وزيراً للصحة، حكى كثيراً عن فساد غذائي. والآن، من حين الى حين، يطل ليسأل مثلنا: أين أصبحت الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء؟ والنائب ميشال موسى أطلّ قبل أربعة أشهر ليطرح نفس السؤال متقدماً بسؤال الى الحكومة عن مصير الهيئة. فأين أصبح سؤاله؟ هل أجابه أحدهم عليه؟ ولماذا مصير “لا معلق ولا مطلق” لا يزال ينطبق على هذه الهيئة في حين أن التسمم الغذائي يحصل يوميا؟ يجيب موسى “أول من نادى بإنشاء الهيئة كان النائب باسل فليحان. وأقرّت في العام 2015. وها نحن في 2021 ولم يبدأ تطبيقها. عينوا رئيساً لها وأبقوها بلا موازنة وبلا مراسيم”.

 

موسى: ضارب الصلاحيات

 

يتحدث النائب موسى “عنهم” فمن هم الذين يعيقون تطبيقها؟ يجيب “لا أعرف. لكنها لا تزال معطلة. وهذه الهيئة مهمة بمكان أنها يفترض ان تهتم بكل المواضيع الغذائية. وهي قادرة لو نفذت على توفير الأمان للبنانيين. لكن يبدو أنها ليست في الأولويات”. نعود لنكرر: من هم الذين يعتبرونها غير أولوية علماً أنها قد توفر بعض الأمان الغذائي الى اللبنانيين؟ يجيب: “ربما هناك تضارب في الصلاحيات بين الهيئة والوزارات المعنية في الشأن الصحي الغذائي. ربما ما قد تكتشفه قد يؤذي الآخرين. لأن قانون تشكيلها أعطاها صلاحيات كثيرة في كل ما يتعلق بالمشرب والمأكل. لذا وجهت سؤالاً الى الحكومة حولها لكن لا جواب شاف”.

 

 

لم نأخذ حقّاً ولا باطلاً. فلنطرح السؤال مجدداً على رئيس الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء (المعطلة): ماذا يفعل الدكتور إيلي عوض كرئيس للهيئة؟ يجيب عوض “أوكلوا إليّ مهمة رئاسة الهيئة في 21 أيار 2018. مضى على ذلك ثلاثة أعوام ولم تُدرج الهيئة ولا مرة في الموازنة لتبدأ عملها” ويستطرد “يبدو أن الأولوية في البلاد للفساد. إنهم يريدون أن يُفسدوا لا أن يكافحوا الفساد. والهيئة مستحدثة ويفترض تعيين مجلس إدارة لها وإصدار المراسيم التطبيقية وملء الهيكلية الإدارية”. هل نفهم من هذا أن الهيئة ككل لا تضم بعد ثلاثة أعوام على إنشائها سواه؟ يجيب بنعم. هو لا يتقاضى راتباً. ويعمل حالياً أستاذاً في ملاك الجامعة اللبنانية. ولا مركز للهيئة. وكان الرئيس سعد الحريري سبق وأعطاها مكتباً في السراي الحكومي لكن بعد مجيء حكومة الرئيس حسان دياب وتقاعد فؤاد فليفل، مدير عام رئاسة مجلس الوزراء، خسرت الهيئة حتى مكتبها.

 

عوض: كلفة الإستشفاء أعلى

 

الدكتور عوض يسمع يومياً عن حالات تسمم في البلاد ويقول “كلفة طبابة وإستشفاء هؤلاء قد تكون أعلى بكثير من تخصيص هذه الهيئة ببعض الموازنة كي تنطلق وتُقرّ مراسيمها”. ويستطرد: “في موازنة 2020 وضعوا فصلاً اسمه موازنة الهيئة وعادوا وسحبوه ولم يخصصوا لها أي مبلغ مالي”، ويقول “نحن حاجة وطنية ملحة ويفترض بنا أن ننطلق بعملنا البارحة قبل اليوم”.

 

وجود “الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء” يسمح لمن يتسمم غذائياً بأن يكتشف فعلياً من فعل به ذلك؟ من سمم غذاءه عن قصد أو عن سهو؟ ولماذا حصل ذلك؟ هذا هو دور الهيئة في حين أن كل من يدخل الى المستشفى بسبب تسمم غذائي يخضع الى مزاجية الطاقم الطبي الذي لا يتجرأ على الجزم بالسبب الحقيقي لحالة التسمم. ويفترض في منطوق إنشائها أن تضم 280 مراقباً صحياً.

 

الهيئة هي بحسب عوض “ضابطة عدلية” ويقول “إتصلت مراراً بمستشاري الرئيس حسان دياب من اجل إطلاعه على اهمية وجود هذه الهيئة لكنهم لم يبالوا. وأعتقد أن السلطة السياسية مقصرة جداً وتفتقر الى الوعي حول أهمية السلامة الغذائية”. ليس بجديد معرفة أن السلطة السياسية جدّ مقصرة تجاه هذا الشعب المسكين الذي ما عاد آمنا حتى بلقمته. والى حين تُصبح لدينا دولة يجب على اللبنانيين أن يحذروا تناول الدجاج غير المطبوخ جيداً. وعليهم أن ينتبهوا حين “يفقسوا” بيضتين لتناولهما. وعليهم أن يتكلوا أكثر على الحاسة السادسة لديهم، في أمنهم الغذائي، ما دام العلم غائباً، بقرارٍ رسمي، عنهم.

 

الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء ليست ولن تكون، الى أجل ليس بقصير، أولوية بالنسبة الى الدولة المصونة. لأن لكل طرف في هذه الدولة حساباته ومصالحه و”تجارته” وأرباحه. والعمل بهذه الهيئة سيضرّ بهؤلاء. فليتسمم الناس. المهم أن يعيش أكَلَة الديناصورات.