Site icon IMLebanon

تحيّة إلى بيروت.. المقاومة

مرّت قبل أيام الذكرى السابعة لغزوة بيروت. تستأهل بيروت في كلّ يوم تحيّة على صمودها ومقاومتها تلك الغزوة التي استهدفت أهلها واستهدفت الانتصار عليها بكلّ ما تمثله من انتماء إلى ثقافة الحياة أوّلاً.

هناك مدن تبقى على الخريطة، لكنّها تفقد دورها وموقعها الحضاري.لا تزال بيروت استثناء. بيروت صمدت وما زالت تدافع عن دورها وموقعها في ظروف في غاية التعقيد. في أساس هذه الظروف المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة الذي يبني على مخلفات المشروع الذي حاول تنفيذه النظام السوري، هذا النظام الذي أخرجه دم رفيق الحريري من العاصمة ومن كلّ لبنان.

هناك معجزة اسمها بيروت. معجزة أن تبقى المدينة واقفة. فليس أصعب على اللبناني من تصوّر عاصمة بلده تتعرّض لغزوة ذات طابع مذهبي بهدف إخضاعها. لا يمكن للبناني أن ينسى ما حدث في السابع من أيّار من العام 2008، عندما اجتاحت ميليشيا «حزب الله» بيروت لتقتل على الهوية المذهبية وذلك بهدف واحد وحيد هو جعل العاصمة اللبنانية مدينة محتلة. 

كان الهدف واضحاً كلّ الوضوح، خصوصاً أنّه ترافق مع غزوة أخرى للجبل الدرزي بهدف إخضاع وليد جنبلاط وجعله يندم على «الأيام الجميلة» التي كان يقول فيها رأيه الحقيقي في بشّار الأسد.

في سياق تسلسل الحوادث التي مهّدت لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، جاءت غزوة بيروت محطة هيّأت لمرحلة لاحقة استطاع فيها «حزب الله» تشكيل حكومته برئاسة شخصية سنّية، هي نائب طرابلس نجيب ميقاتي. كانت تلك الحكومة الأسوأ في تاريخ لبنان، خصوصاً أنّها مهّدت لعزله عن محيطه العربي وصولاً إلى ما بلغناه اليوم.

بعد سبع سنوات على غزوة بيروت، نرى أن بيروت ما زالت تقاوم، على الرغم من كلّ ما تتعرَض له يومياً من محاولات تصبّ في خطة مدروسة تستهدف نشر البؤس فيها. الهدف تحويل بيروت إلى مدينة منسية ومنبوذة من العرب والعالم ومن أهلها أنفسهم، مدينة تشتاق إلى أيام العز والرفاه والدور المتميّز على صعيد المنطقة كلّها. لذلك، لا يمكن عزل ما تتعرّض له المدينة في هذه الأيام عن التحولات التي مرّت فيها منذ العام 1975، وصولاً إلى اعادة إعمارها بفضل رفيق الحريري الذي بعث الحياة مجدداً وأعاد التنوّع إلى وسط المدينة تمهيداً لإعادة الحياة إلى كلّ لبنان. 

دفع رفيق الحريري غالياً ثمن دفاعه عن بيروت وإيمانه بها وبدورها وبما تمثّله. دفع حياته من أجل بيروت، التي أراد النظام السوري وبعده الإيراني تحويلها إلى مزبلة.

تبقى بيروت مدينة المقاومة. قاومت النظام السوري في منتصف سبعينات القرن الماضي. ليس صدفة تكليف نظام الأسد الأب، قبل الابن، المسلحين الفلسطينيين، ومن كانوا يلوذون بهم، تدمير فنادق بيروت الواحد تلو الآخر بطريقة منهجية. من يتذكّر كيف كانت «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» التابعة للأجهزة السورية تفاخر بتفجير الفنادق المطلة على البحر، خصوصاً في الزيتونة؟ 

ليس صدفة أنّ النظام السوري نشر «جيش التحرير الفلسطيني» الذي كان اداة تابعة له على خطوط التماس بين المسيحيين والمسلمين في وسط بيروت من أجل تمزيق قلب المدينة. كانت بيروت دائماً هدفاً للنظام السوري. المؤسف أن المسلّحين الفلسطينيين لعبوا في مرحلة معيّنة الدور المطلوب منهم في تدمير المدينة خدمة لمآرب نظام لا يعرف شيئاً غير التدمير.

لم تكن غزوة السابع من أيّار 2008 التي سمّاها الأمين العام لـ»حزب الله» بـ»اليوم المجيد» سوى فصل من فصول الحرب على بيروت. سبق الغزوة الاعتصام الطويل للحزب والأدوات المسيحية التابعة له وسط المدينة لتعطيل الحياة فيها… وتهجير الشباب اللبناني، خصوصاً الشباب المسيحي. 

هناك عشرات، بل مئات المؤسسات التي أغلقت أبوابها وصرفت العاملين فيها بسبب الاعتصام الذي استمرّ ما يزيد على سنة، والذي تبيّن في نهاية المطاف أنّه كان ملحقاً بالحرب الإسرائيلية على لبنان وعلى بنيته التحتية. 

ما نشهده اليوم فصل آخر من المسلسل الطويل الذي يستهدف إخضاع بيروت التي قاومت الإسرائيلي في العام 1982. أن يمنع العرب من المجيء إلى لبنان والاستثمار فيه جزء من المؤامرة على بيروت وعلى لبنان المطلوب أن يكون مجرّد «ساحة» إيرانية لا اكثر. أن يشنّ «حزب الله» بلسان أمينه العام حملة لا سابق على المملكة العربية السعودية حلقة في المسلسل الذي يستهدف بيروت وأهل بيروت. 

هناك لبنانيون وعرب ينتمون إلى مدرسة رفيق الحريري. هؤلاء يؤمنون ببيروت لأنها المدينة الوحيدة التي بقي لها معنى على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع قراءة الكتاب القيّم والموثّق لفيليب مانسيل وعنوانه «ليفانت». 

يروي الكتاب قصّة ثلاث مدن على المتوسط هي سميرنا (إزمير) والإسكندرية وبيروت.

وحدها بيروت ما زالت صامدة ومحافظة على وضعها الخاص بين المدن الثلاث، على الرغم من كلّ ما تعرّضت، وما زالت تتعرّض له من ظلم. مرّة أخرى، تحية لبيروت وصمود بيروت ومقاومة بيروت، خصوصاً مع اقتراب الذكرى العاشرة لاغتيال الأخ والحبيب سمير قصير، عاشق بيروت، الذي لا يزال كتابه بين أفضل ما كتب عن تاريخ المدينة.