IMLebanon

فضيحة سماحة المدوّية!

لأن لبنان لم يدخل حتى اللحظة عصر التنوير وحقوق الانسان والمواطن.. لأننا ما زلنا ابداً رعايا غارقين حتى شعور رؤوسنا في كل معوقات الماضي، في عصبياتنا الدينية والمذهبية والعشائرية والجهوية وكل اشكال التخلف من انصياع وامتثال ورهبة حيال السلطة وأوامرها ونواحيها وإملاءاتها الفوقية، وما زلنا بعيدين عن المواطنية والوعي الضروري للرأي العام الخليق به ان يمارس سلطة الرقابة اليومية والمستمرة على انحراف المؤسسات وفساد الحكام وسقوط القضاء وغياب العدالة..

ميشال سماحة الاداة الاجرامية الوقحة للنظام الاسدي، الذي ثبت بما لا يرقى اليه الشك، بالصوت والصورة والاعترافات القاطعة والأدلة الجرمية العينية، والذي امسك به متلبساً، والذي شهدناه بالأمس القريب يقر وبالفم الملآن امام الصحافة المحلية والعربية والاجنبية وعدسات التلفزة بمخططاته الاجرامية التي كان على وشك مباشرة تنفيذها لإغراق لبنان في بحر من الدماء، انه تسلم من العميد علي المملوك احد أذرع الاسد وكبار مسؤولي المخابرات السورية المتفجرات والاموال اللازمة لتنفيذ مخطط اجرامي مخيف.

عام 1894 القي بضابط ظنين في الجيش الفرنسي في السجن بتهمة كاذبة، وكان من سوء الطالع ان الضابط كان يهودياً. ملابسات ومفارقة عادت لتكشف بطلان هذه الاتهامات وكان قد حكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد. يومها انبرى «اميل زولا» الكاتب الفرنسي الشهير باتهام قيادة الجيش الفرنسي بالتدليس والتآمر فانقسمت فرنسا يومها الى اتجاهين: الاول منادياً ليس ببراءة «درايفوس» هذا فحسب بل بمحاكمة المتورطين في التآمر، والثاني بعدم المساس بمعنويات الجيش الفرنسي الخ..

علامة فارقة بالنسبة لنا نحن الشعوب العربية لأن هذا الحدث إحدى الشرارات التي أطلقت الحركة الصهيونية، ذلك أن الصحافي النمسوي «ثيودور هيرتزل» وكان مراسلاً لصحيفة نمسوية في باريس وكان يتابع الحدث وصل إلى استنتاجات مريعة من قبيل: أنه إذا كان في فرنسا أم الشرائع وحقوق الإنسان هناك اتجاه معاد لليهود (للسامية) بهذه الضراوة فإن يهود أوروبا ليس أمامهم سوى حل واحد، هو البحث عن وطن قومي يهودي. إنه هو مؤسس دولة إسرائيل، وقد كتب كتاباً يحمل هذا الاسم.

إذا كنا أوردنا حادثة درايفوس هذا فإن القصد من ذلك هو الإشارة إلى مسألتين: الأولى أهمية الرأي العام، والثانية: بطلان نظرية المقامات والحصانات والمواقع المميزة أمام القانون. فالزعاق والتهجّم الذي أطلقته أبواق معينة عندنا بحق الرئيس سعد الحريري والوزير أشرف ريفي لأنهما نددا بالمحكمة العسكرية وقرارها المنحاز هذا، هو الدليل الجديد القديم على أن ماكينة النظام الأسدي ما زالت فاعلة عندنا، خصوصاً عندما تحظى قراراتها المناسبة بالدعم المناسب من حزب الله. فليس أسهل والحالة هذه من ارتكاب أفظع الجرائم ثم الالتحاق بغطاء حزب الله. تماماً كما جرى مع العميد فايز كرم أحد أركان التيار العوني الذي تورّط بعلاقة مع إسرائيل والذي لم ينل سوى عقوبة مخففة.

وبالمحصلة فإن القضاء العسكري والمحكمة العسكرية ليسا مقامين لا يجوز التعرض لهما بالانتقاد والمساءلة، وبالتالي هما معرضان لارتكاب الأخطاء، فكيف بالأحرى عندما يتعرضان لضغوط هائلة من قبل النظام الأسدي وحلفائه عندنا وعلى رأسهم حزب الله الذي هو دولة ضمن الدولة كما هو معلوم لدى كل الناس.

فعن أي نزاهة قضاء عسكري يتحدثون وأي فضيحة مدوية هي هذه بل أي صفعة جارحة في وجوه جميع اللبنانيين. فهل يعقل ما حدث لميشال سماحة عندما جرى توقيفه متلبساً على يد جهاز أمن المعلومات فبدأ التحقيق معه ليكشف ما لا يصدق من الحقائق المذهلة المسجلة من خلال اعترافات لا يرقى إليها الشك. فالذي جرى بعدها من ملابسات تطرح تساؤلات مخيفة حول حقيقة القضاء العسكري إذ جرى سحب المتهم وسوقه أمام القضاء العسكري، لتنهال الضغوطات من وراء الحدود وخارجها، حتى جرى تمييع الملف والمراوحة فيه مع الوقت حتى يطلق سراح المتهم الآثم بكفالة مالية لا معنى لها ما دام المجرم أصبح طليقاً، ويشكل بالتالي خطراً داهماً على حياة اللبنانيين بل مصير لبنان بأسره. فالبطريرك الراعي ومفتي طرابلس وشخصيات مرموقة كانوا في جملة المستهدفين، وكانت مواعيد التفجيرات قد اختيرت خصيصاً في افطارات عكارية في شهر رمضان عام 2013 كان مدعواً إليها البطريرك الراعي تأكيداً على وحدة اللبنانيين.

بورك بهم أهالي الأشرفية الأحرار فهم يملكون حساً وطنياً عميقاً ومسؤولاً عندما تحركوا في تظاهرة مميزة رافضين بعناد أن يروا مجرماً موصوفاً كميشال سماحة يعود للسكن بينهم وبكل بساطة كأن شيئاً لم يكن بانتظار محاكمته المعروفة النتائج سلفاً.

لقد بدأنا نسمع في صيدا وغيرها من سائر المدن من يطالب بمعاملة الشيخ أحمد الأسير بالمثل وإطلاق سراحه بانتظار محاكمته بعد أن جرى التحقيق معه، علماً أن الأسير تورط في صدام مع الجيش في عبرا لعبت فيها قوى الأمر الواقع دوراً معروفاً في إذكاء النار وإحداث الوقيعة الدموية التي جرت. وهو كما يقولون لم ينقل شحنات ناسفة تستهدف أي تجمعات. فلا نحاولن الاختباء والتواري وراء ظلال أصابعنا، فإن ثمة خللاً ما والتواء في ميزان العدالة والقضاء العسكري، فإن جرى تكريسه كسابقة خطيرة.

ها نحن اليوم ونحن على مسافة 22 يوماً من الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ذلك الرجل الذي شمّر عن ساعديه محاولاً إعادة إعمار لبنان وتفعيل المؤسسات وتطويرها ووضع لبنان على سكة الحداثة والعصرنة فأطلق ورشة إعمار هائلة شكلت بحد ذاتها مشروعاً واعداً يهدد مصالح وأطماع النظام الأسدي وحلفائه عندنا. فقد وجدوا فيه خطراً داهماً يهدد مشروعهم الهادف إلى إبقاء لبنان حديقة خلفية للنظام الأسدي والأجندة الإيرانية فجرت الإطاحة به وبفريق عمله وكل البارزين من أصحاب الاختصاصات وأهل العلم والفكر والقلم الواحد منهم تلو الآخر. أما المتهمون فقد تواروا عن الأنظار، وما زالوا طلقاء تماماً كما هو الآن ميشال سماحة سواء بسواء.

فعن أي عدالة وأي قضاء وأي قوانين ترانا نتكلم في ظل الانتهاكات المتواصلة للقوانين والقضاء والعدالة، وأي صدقية لحقوق الإنسان والمواطن في ظل الوضع المشين الذي نتخبط فيه؟

فإما دولة ذات سيادة ترعاها القوانين ويحرسها القضاء وإما دويلة ما زالت قادرة على فرض إملاءاتها على اللبنانيين في الصعد والمجالات كافة. ولا حل ثالثاً بينهما.