الحراك الحكومي معطّل. الإدارة الفرنسية لا تزال تحاول استيعاب آخر صدماتها، أو بالأحرى صفعاتها بعد تهديد وزير خارجيتها جان ايف لودريان، الذي لم يؤت ثماره فيما القوى اللبنانية بدت غير معنية بأي تهويل يأتيها من خارج الحدود وتصمّ آذانها، وتطفئ محركاتها، و”كأنّ البلد ماشي والشغل ماشي”، ولا شيء يستدعي أي تحرك استثنائي انقاذي.
خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون الأخير، محاولة جديدة لشدّ العصب في الوقت الضائع، لنقل المعركة إلى ملعب الخصوم ولفك العزلة الدولية من خلال تصويب الاتهامات نحو الفريق الآخر، وتحديداً رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ومن تعتبرهم رئاسة الجمهورية شركاءه في الهدر المالي.
وحده الحريري لا يزال “سكران” بالدعم المعنوي الذي قدّمه وزير الخارجية المصري سامح شكري، ولو أنّ هذا الدعم لا يكفيه كي يخطو نحو السراي الحكومي، وإلا لكان فعلها منذ أشهر. ومع ذلك لم تترك زيارة الضيف المصري الكثير من الأصداء الإيجابية، لدى قوى 8 آذار، لسببين:
الأول، هو انحياز رئيس الدبلوماسية المصرية الشكلي والعملي لمصلحة فريق دون آخر، بحيث بدت الزيارة وكأنها تهدف إلى تعويم سعد الحريري لا أكثر، وبالتالي لا ترتقي إلى مستوى الوساطة طالما أنّ كفّتها “طبشت” أكثر لناحية هذا الفريق، مع العلم أنّ المطلعين على الموقف المصري يؤكدون أنّ وزراء الخارجية المصريين لم يسبق لهم أن سجّلوا في جولاتهم اللبنانية أي زيارة لـ”حزب الله”، ما يعني أنّ استثناء الضاحية الجنوبية من جدول اللقاءات لم يخرج عن السياق المعتاد، فيما توسيع بيكار اللقاءات مع القوى المسيحية مقابل استثناء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن برنامج الزيارة، حمل اتهاماً مباشراً من المصريين للأخير بالعرقلة، وأفقدهم بالمقابل صفة الوساطة.
الثاني، هو خلوّ جعبة الضيف المصري من أي مبادرة أو أفكار جديدة من شأنها أن تساعد على خرق الجدار الحكومي المقفل، باستثناء طبعاً تبنّي وجهة نظر رئيس الحكومة المكلف ورؤيته للحكومة، مع العلم أنّ المواكبين يقولون إنّ السفير المصري في بيروت ياسر علوي لعب دوراً متشدداً خلال المرحلة الأخيرة لناحية منع الحريري من القيام بأي اندفاعة نحو التسوية. ولهذا بدا وكأنّ الزيارة لا تستهدف تقريب وجهات نظر القوى اللبنانية بقدر ما تسعى إلى “حماية” الحريري. ولكن بالنتيجة “بدل ما يكحلوها، عموها”، في ما لو كان المصريون يفكرون في تعويض الغياب السعودي عن لبنان.
ورغم ذلك، يقول بعض المواكبين للحراك المصري، إنّ اهتمامات القاهرة تتخطى الشأن اللبناني الداخلي كونها تسعى راهناً إلى توسيع دورها الاقليمي، والذي عبّر عنه مشروع “الشام الجديد” الذي يضمّ كلاً من مصر والأردن والعراق، الذي يعتمد على الكتلة النفطية في العراق، والكتلة البشرية في مصر، والأردن باعتباره حلقة وصل بينهما، حيث سيتم مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم الى مصر. ويتردد أنّ هذا المشروع هو محاولة لصبغ هذه المنطقة بشيء من الخصوصية، وكان يفترض أن يكون لبنان سباقاً في هذا المشروع الذي عرض منذ فترة على رئاسة الجمهورية، ولعل هذا ما يفسر اعلان مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية انطوان قسطنطين أنّ “الرئيس ميشال عون يستعد للمبادرة سعياً لقيام سوق اقتصادية مشتركة، تضم لبنان والأردن والعراق وسوريا، وتتكامل مع السوق العربية الأوسع. مبادرة تفتح للّبنانيين آفاقاً كبيرة وآمالًا كثيرة، وتحفظ لكل دولة سيادتها واستقلالها تحت سقف الاحترام المتبادل”. ومع ذلك، فإنّ الاعتراض أو الثناء على زيارة الدبلوماسي المصري ليس بيت القصيد، كون المسؤولية الانقاذية تقع على عاتق القوى اللبنانية ولا يفترض الاتكال على مجهود الخارج، سواء كان قريباً أو بعيداً. الأسوأ من ذلك، هو أنّ جولة الضيف المصري أتت بعد ساعات على “بهدلة” وزير الخارجية الفرنسي للمسؤولين اللبنانيين الذين لم يتجرأ أحدهم على الردّ عليه أو مساءلة ممثلته في بيروت، ولم يخرج أي من هؤلاء ليجيب اللبنانيين عن الأسباب التي تحول دون ولادة حكومة تخرجهم من مأزقهم الوخيم!