من سقطات حراك 17 تشرين أنّه أنتج فقّاعات إعلامية اعتقد اللبنانيون أنّها آتية لتغيّر معادلات الحياة السياسية. مرّت أشهر حتى تبيّن أن الفقاعات الإعلامية ليست سوى منتج بديل وشبيه بأسوأ نموذج السياسيين على الإطلاق. أثبت الوقت أنّ هذه النماذج لم تأتِ لتغيّر بل لتعيد صوغ مشهد المحاصصة مجدداً. مشهد لَخّصته الإنتخابات النيابية التي شهدت الإقصاء والتفرّد والتحاصص والفوقية في آن، وأحد وجوه هذا الإحباط الكبير لكل من شارك في 17 تشرين كان رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل.
اصطنع الجميّل تمايزًا قال من خلاله انّ مرحلة اشتراكه في فريق 14 آذار، وتحالفه مع رموز الفريق كان عابرًا، وهو نادم بالفعل على ذلك. رفع الصوت، وضعهم في خانة الفاسدين، إلى جانب خصومهم، وقدّم نفسه على أنّه هو ومن يتحالف معهم وحدهم يمثلون التغيير. قاطع «القوات اللبنانية»، هاجم رئيسها في السر والعلن، الى درجة انه روّج أمام كل من سأله أن جعجع هو واحد من ستّة زعماء أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه ويجب أن لا يكون له أي دور في مستقبل لبنان السياسي. بيع هذا الموقف لجمهور الثورة تراجع عنه الجميّل حين أرسل مبعوثين إلى معراب لدرس طريقة اخراج موقف واحد من مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية.
اليوم يدرس الجميّل مع حلفائه في المعارضة والتغيير خطة واحدة تقتضي بتعطيل وصول رئيس يمثّل جهة معينة، بعدما نادوا جميعًا، ومنهم رئيس الكتائب، أن التغيير سيحمل أحدهم إلى قصر بعبدا، فها هم يسعون ليوصلوا الفراغ إلى الرئاسة الأولى.
خسر سامي مواقفه، وكسّر يومًا بعد يوم صورة اعتقدها البعض أنّها تغييرية، فبانت أنها تقليدية تراوح مكانها في بعض الأحيان، وتتراجع خطوات إلى الوراء في أحيان كثيرة أخرى.
قد تكون مقارنة سامي بأهل بيته مُجحفة بحقّهم، وربّما يقول البعض انّها لا تجوز. ولكن في الواقع يمكن لأي متابع لتاريخ ذلك البيت السياسي الكبير في بكفيا أن يلاحظ آلاف الفوارق بين الجد بيار وابنيه بشير وأمين وحفيده بيار من جهة، وبين الرئيس الحالي لحزب «الله والوطن والعائلة» سامي. وبعيدًا عن تعدادها، يمكن الوقوف على مرحلة تشبه اليوم كثيرًا، وهي الأشهر التي سبقت عملية انتخاب رئيس الجمهورية عام 2016. في حينه، أوحى البطريرك أنّ هناك 4 زعماء أقوياء للمسيحيين من المُستحسن أن يتفقوا على واحد منهم لينتخبه النواب رئيسًا. كان بينهم رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميّل. فرغم خسارته لانتخابات فرعية في المتن سابقًا، ورغم تراجع حضور حزبه في الشارع والاعلام طوال سنوات سبقت العام 2016، إلّا أنه بقي واحدًا من 4 كبار بحسب بكركي. اليوم، وفي المرحلة الاكثر شبهًا بتلك، من يأتي على ذكر سامي الجميّل كمرشّح رئاسي؟ بل بالأحرى من يجرؤ على وضعه بين الأربعة الكبار مسيحيًا أو وطنيًا؟
لا يمكن لسامي مهما تراجع وتواضع حجمه أن يقلّل من شأن بيت جدّه وعمّه وأبيه وشقيقه السياسي، ولكنّه يثبت يومًا بعد يوم أنّ استمراره على رأس حزب يُعد من مؤسسي لبنان هو خطر وجودي فعلي على الكتائب، وتهديد حقيقي لحضور الحزب على مستوى المناطق والأحياء، وليس حتى مستوى الشارع المسيحي برمّته.
لا شكّ في أن سامي الجميّل يُحسن الخطابات العاطفية، ويُتقن التنظير إلى أبعد الحدود، ولكنه أمام الأفعال يسقط. فيمكن القول انّ سامي الجميّل كسر القاعدة اللبنانية الأساسية التي تقول انّ كل رئيس حزب أو كتلة مسيحية هو مرشح طبيعي للرئاسة. سامي الذي كان يعتقد أنّ سيكون مرشح مواجهة في معركة الرئاسة، بات يعلم اليوم أن حلفاءه لن يتبنوه كمرشح مساومة على أقل تقدير.
قبل عودته إلى حزب الكتائب أسّس سامي حركة «لبنانُنا»، وهي حركة طالبية سياسية نشطت في الجامعات. إن أجريتَ استطلاعًا للرأي بين الكتائبيين اليوم حول مستقبل حزبهم، لأجابوا انهم يتمنون عودة سامي إلى «لبنانُنا»، كي تعود الكتائب كتائب