عندما انفجر غاضباً النائب الشاب رئيس الكتائب سامي الجميّل وهو خارج من جلسة الحوار الوطني بعد ظهر الأربعاء بسبب الفضيحة التي انتهت إليها محاولة تسفير النفايات المتراكمة منذ 7 أشهر إلى روسيا، كان قد استعاد اقتناعاً تكوّن لديه تدريجاً بأن “مافيا” متشعبة ولا تعوزها القحة تواظب على التلاعب بهذه القضية الخطيرة، غايتها الصريحة تحقيق أرباح بعشرات ملايين الدولارات، لا تكترث لحياة الناس وصحتهم، ولا لبيئة بلغ تلوثها الفضاء الخارجي، لا تكترث للبنان في وجوده.
كان النائب الجميّل قرأ مانشيت “النهار” عن تزوير شركة “شينوك” مستندات روسية قدمتها إلى “مجلس الإنماء والإعمار” في اليوم الأخير الذي حددته الحكومة للشركة كي تثبت موافقة بلد المقصد على استقبال نفاياتنا في أرضه، أي يوم 9 شباط الماضي، وقرأ تصريحات مسؤولين روس معنيين بالقضية يؤكدون في وكالة أنباء رسمية (تاس) وغيرها أن تواقيعهم قد زوّرت، وأنهم لم يوافقوا وغير وارد أن يوافقوا كما تبين لاحقاً على “العرض” اللبناني. لكنّه على ما ذكرت مصادر كتائبية أراد التأكد من المسؤولين اللبنانيين مما حصل فعلاً، فأجرى سلسلة واسعة من الإتصالات واللقاءات شملت أيضاً خبراء في الملف تابعوه بتفاصيله الدقيقة، وذلك من قبل أن تندلع الأزمة بإقفال مطمر الناعمة في تموز 2015، وما كان يجب أن يُفاجأ المعنيون بإقفاله لكنهم لم يصدقوا تحذيرات رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط والمهل التي أعطاها شهراً تلو شهر. تركوا الأزمة تتفاعل وتتجمع ولم يفعلوا شيئاً. حتى بعدما تراكمت النفايات جبالاً في الشوارع والأودية وتحت الجسور لم يفعلوا شيئاً. في حين كانت “المافيا” تخطط وتقدم خطة تلو خطة في موازاة خطط الحكومة لعلها تنفذ بالتلزيم في نهاية المطاف.
مساعدو رئيس الكتائب يعدّون له تقارير يومية عن تطوّر هذه الأزمة. تقارير مفصلة عن عدد الذين أصيبوا بأمراض في الصدر وعوارض ضيق تنفس غريبة استدعت نقلهم إلى المستشفيات. عن امتلاء أسرة بعض المستشفيات وغرفها بمرضى يعانون بمعظمهم المعاناة نفسها بسبب تلوث رهيب يحمله الهواء، مع روائح كريهة باتت تغطي مناطق ذات كثافة سكنية عالية، روائح يشمها الواصل إلى لبنان فور أن يفتح باب الطائرة وإن كان موصولاً مباشرة إلى نفق المطار، روائح كريهة ترافقه إلى مقصده وإن بتفاوت بين محلة ومحلة. كل ذلك والسياسيون لاهون ويلهون الناس بالسياسة المجردة. أسبوع لأخبار باريس ولقاء الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية والحديث عن ترشيحه. أسبوع للقاء معراب وتأييد “القوات” للنائب ميشال عون مرشحاً للرئاسة. أسبوع لاحتفال “البيال” وتحركات الرئيس الحريري ولقاءاته سعياً وراء رئاسة تبتعد أكثر كلما أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطاب تلفزيوني. والمستشفيات تمتلئ.
التقارير المفصلة تعرض تقويماً يومياً للمعلومات المتوافرة عن المعالجة المستحيلة لأزمة النفايات والإتجاهات التي تسلكها ولا توصل إلى مكان. ليس عن عبث أن لا مكان محدداً قدمه أصحاب العروض والمبشرون بالترحيل. السنغال بل سييراليون بل الصومال، الكونغو وربما غانا أوغينيا، كل مرة كانت سلطات تلك الدول تنفي علمها وموافقتها عندما تتناهى إليها أخبار لبنان. الأرجح أن “المافيا” كانت تخطط لرمي أكداس النفايات الهائلة في بحر أو محيط ما. آخر همها الإتفاقات الدولية الحامية للبيئة البحرية وصيت لبنان.
لكن أكثر دافع للغضب بحسب مصادر كتائبية أن كل ما حصل تعود أسبابه إلى عدم قيام “مجلس الإنماء والإعمار” بواجبه من زمن بعيد، من أيام إنشاء “سوكلين” وانطلاقها في عملها حتى اليوم مع تبيان أن المجلس لم يكتشف رغم دوائره القانونية حقيقة “شينوك” بل فضيحتها. ولهذه تتمة طويلة من الشكوك عند الكتائب الذي يبدو عائداً حزباً مطلبياً كما كان زمن النشأة، وسيتحرك بعد رفع الصوت.