IMLebanon

سامي الجميل و«الكتائب الانقلابية»: أنا الحزب

في الذكرى السنوية الأولى لتسلّم سامي الجميل رئاسة حزب «الجدّ والأب»، لن تجد كتائبياً مستعداً للقيام بجردة تقييمية لأداء الشاب وقيادته والحكم على تجربته.

الكل مهجوس بما سيحلّ بكرسيّ الموارنة، لا خشية من وصول الجنرال ميشال عون الى الرئاسة، بل خوفاً من أن يفعلها سمير جعجع ويصير عراب العهد: هل يُكرّس التحالف النيابي بين الخصمين التاريخيين؟ ماذا سيحل بالمقاعد الكتائبية «الهدايا»؟ أين المفرّ في المتن؟ ماذا عن الحكومة في ظل قبضة «الثنائي»؟

الحراك الرئاسي يغلب ما عداه. حتى إن ما يحكى عن تعيينات مرتقبة في بعض الأقاليم الكتائبية، لا تجد لها آذاناً صاغية ولا حتى جرأة في السير بها. الثابت الوحيد في «البيت المركزي» هو أنّ «العريس» قابض على السلطة.

فمذ صار لسامي صوت يسمع (حركة «لبناننا») ومنبر يقف عليه (رئاسة «الكتائب»)، يتفنن الشاب في ممارسة كل أساليب المشاغبة و «الشيطنة»… إلى حدّ وصفها من جانب بعض خصومه بالألعاب البهلوانية المتراقصة على حبال التناقضات والمتنقلة على ضفاف المزايدات، ولكن بعناوين «تمرّدية».

يثبت النائب المتني مرة بعد أخرى، أنّه يعاني «حساسية زائدة» تجاه الطبقة السياسية. أو يدّعي ذلك، كما يقول معارضوه. يبحث دوماً عن «خرم إبرة» ليميز نفسه عن بقية رفاقه في «النادي التقليدي» حتى لو تطلب الأمر القيام بالشيء ونقيضه.

هكذا دخل حكومة تمام سلام على طبل الاعتراض على البيان الوزاري، وخرج منها بزمر النكد من أدائها. مع أنّه وطئ أرضها بثلاثة وزراء وتركها بواحد فقط. بصم على خطة النفايات بحجة أنها منقذة لأنوف الناس وسلامتهم البيئية والصحية، وعاد فانقلب عليها خوفاً من تحوّل موقف برج حمود المؤقت الى جبل نفايات ثان، ليقفز من مركب الموالاة المثقوب الى قشّة المعارضة العائمة.

نصب خيمته على مدخل المخزن المؤقت للنفايات في برج حمود، اعتقاداً منه أنّه سيكرر مشهد الجموع المحتشدة في رياض الصلح ليصير زعيمها بفعل الأمر الواقع. وإذ بأكوام النفايات المتكدسة في شوارع المتن وكسروان تتغلّب عليه بعدما تحوّلت حملته البيئية الى مأزق وضع نفسه فيه وراح يفتش عن مخرج لائق.

الإشكالية التي تواجه سامي الجميل صارت واضحة: يعمل الشاب على تلميع صورته، إن لم نقل نحتها من جديد، مقتنعاً أنّ الهامش الذي يتيحه له عمره سيساعده على رسم «بورتريه» ثوري يخلع عنه ثوب الإقطاعية المتوارثة أباً عن جدّ، كما ثوب السياسي التقليدي الغارق في طبق التحاصص.

يدغدغه بريق المجتمع المدني ورغبته باقتحام قلاع الأحزاب، وتسحره تلك المشاهد التي ملأت ساحة رياض الصلح الصيف الماضي حين أتى الناس من كل المنابع الحزبية والطائفية للتعبير عن اعتراضهم على النفايات، السياسية قبل المنزلية. وهو مقتنع بأنّ بمقدوره تحويل الحزب الثمانيني العتيق الى حزب عصري واجهته شبابية وطروحاته تواكب الزمن.

ولكن في المقابل، ثمة من يتربص به على «كوع» التشكيك بكل تصرفاته ومواقفه الرفضية، وردّها الى الأصل: المزايدة على الأحزاب المسيحية الأخرى والقيام بكل ما يلزم لشدّ عصب الجمهور ومراكمة الحيثية الشعبية. الهدف مختصر وواضح: الناس.

يوم جلس سامي على كرسيّ والده وجده في الصيفي، قال أحد الكتائبيين القدامى من المحنكين إنّ أمام الشاب فرصة سنة بكاملها كي يمتحنه اللبنانيون والمسيحيون، فإما يثبت أنه قادر على إيقاظ الحزب من سباته العميق، وإما سيغرقان معاً وسيخسر الشاب فرصته بعد أن ينقطع آخر حبال الإنقاذ.

مضى عام على وجود الشاب في القمة. انتظر الكتائبيون منه الكثير ليعيد لهم مجداً ضاع منذ عقود. وها هو بعضهم يتأفف اعتراضاً، وبعضهم الآخر يقدم استقالته، وثمة مجموعة ثالثة متفائلة أو متصالحة مع التركيبة «الجميلية» أو آملة في المستقبل، تتحدث عن تقدم في حضور الحزب سجله سامي بين المؤيدين بفضل سياسته «الانقلابية»، وتثبتها استطلاعات الرأي بالورقة والقلم.

هنا، لا بدّ من الإضاءة على تركيبة الحزب الهرمية، التي تترك لنجل رئيس الجمهورية السابق هامش التحرك والتحكم بسهولة. فمع وصول سامي إلى مركز القرار الرسمي في الحزب، وهو كان فعلياً يشغل خلال الفترة الأخيرة مركز القرار غير الرسمي، بفعل الهامش الذي كان أتاحه له الرئيس أمين الجميل، حرص على تكوين تركيبة حزبية من حوله هي أشبه بفريق عمل لا فريق محاسبة أو رقابة أو اعتراض.

هكذا، يرى المعترضون أنّ المكتب السياسي صار أشبه بمكتب عمل سامي الجميل لا أكثر، بمعنى غياب الصوت الاعتراضي لأنّ معظم أعضائه (من العنصر الشاب) اختارهم رئيس الحزب بنفسه وأتت بهم الصندوقة الانتخابية، ولا حول لهم إلا مناقشة أفكار الرئيس… والمصادقة عليها.

ومع ذلك، يقول أحد المعترضين إنّ قرار فك الاعتصام من أمام مكب برج حمود أتى بمبادرة شخصية من رئيس الحزب من دون العودة الى المكتب السياسي ولم ينتظر حتى موعد التئامه للمناقشة ولو الشكلية. فتصرّف سامي على أنه الآمر الناهي، كما هو واقع الحال.

أكثر من ذلك، يشكو المعترضون من «نادي المستشارين» الفاعلين أكثر من القياديين الحزبيين، بفعل السلطة المعنوية المعطاة لهم والتي تخولهم التدخل في الشاردة والواردة. حتى إنّ الأمانة العامة التي يفترض أنها دينامو الحزب وصلة الوصل بين القيادة والقيادات الوسطية، صارت أشبه بمكتب إداري يديره المقربون من سامي ويستظلون اسم الأمانة العامة كي يرتبوا أوضاع الحزب الإدارية وفق ما يريده رئيس الحزب.

بالنسبة للمدافعين عن أداء القيادة، في هذا التوصيف تجنٍّ بحق المكتب السياسي لأنّ الفريق الاستشاري خارج الاطار التنظيمي وهذا حق للرئيس، لكن المكتب السياسي هو سلطة مستقلة وقائمة بحدّ ذاتها… بدليل أنّ قرار الخروج من الحكومة طرح أكثر من مرة على طاولة هذه الهيئة وكان في كل مرة يأتي القرار معارضاً لتوجه الرئيس، إلى أن حصل التوافق مؤخراً بعدما اقتنع الكتائبيون بعدم قدرتهم الحكومية على تشكيل فيتو معطّل وتحوّل وزراؤهم الى شهود زور. فكان لا بدّ من الانتفاض.

هنا، يشير هؤلاء إلى أنّ فصل الوزير سجعان قزي لم يكن بسبب إصراره على تصريف الأعمال (الأمر الذي عاد الوزير آلان حكيم الى ممارسته) بل بسبب تصريحاته المخالفة للنظام الداخلي.

ويقرّون بانتفاء وجود معارضة داخلية حول شخص سامي الجميل، لكن هذا لا يعني أنّ توجهاته منزلة بل تشهد نقاشات وأخذاً وردّاً وأحياناً كثيرة اعتراضات جمّة.

هنا، يعود المعترضون لتقديم «الدليل» على قصور القيادة في التحكم بالسفينة: ها هو الرئيس الجميل يعود الى الواجهة. حضر اللقاء مع سعد الحريري، وقبله الاجتماع – الذكرى «للقاء قرنة شهوان». وللأمرين دلالتهما.