Site icon IMLebanon

سامي الجميّل… وسياسة الشطرنج

معروفٌ عن لعبة الشطرنج أنها لعبة الاستراتيجيا بامتياز، وكانت دوماً لعبة الملوك والوزراء ومستشاري الحكّام، لأنها تتطلّب من اللاعب استشرافَ خطوات الخصم وترقّب ما يمكن أن يقوم به وردات فعله على كلّ خطوة.

وينطبق مبدأ تحليل خطوات الخصم في هذه اللعبة على الممارسة السياسية بحيث يقوم السياسي، قبل اتخاذ الخطوة الأولى، بتوقّع ردة فعل الخصم أو الطرف الآخر عليه.

إذ إنّ ترقّب ردة فعل الخصم تسمح سواء بإعادة النظر في الخطوة المقرّرة، أو في التحضير للخطوة الثانية التي تَلي ردة فعل الخصم. هكذا لعبة الشطرنج بحيث يتميّز اللاعب من خلال قدرته على توقع أكبر قدر من الخطوات المتلاحقة، وصولاً الى محاصرة ملك الخصم في اللعبة والقضاء عليه.

انطلاقاً من «فكر الشطرنج» هذا، كيف بدَت خطوات الشيخ سامي الجميّل على الساحة الداخلية، الذي بدا جلياً أنّه يسعى في السياسة اللبنانية الى تسجيل «انتصارات» من خلال تمايز حزبه وإعطائه صورة جديدة.

لا بل هو سعى أبعد من هذا الى التأثير في الحياة السياسية اللبنانية من خلال إظهار الخلل في الممارسات القائمة ومحاربة الفساد والسعي الى سلم قيمي جديد. وقد حاول في خطوات رئيسة أن يسجّل نقاطاً في هذا الميدان وأن يكسب رضىً شعبياً.

غير أنّ متتبّعي تحرّك الشيخ سامي يرون أنّ خطواته، وإن كانت في منطلقاتها حميدة، لكنها لم تنجح في الخرق المنتظر، لأنها لم تُبنَ على أساس تحليل الشطرنج لخطوات الخصم. ويمكن تحليل ثلاث خطوات أساسية اتّخذها رئيس الكتائب في الفترة الأخيرة لمواكبة مدى فعاليتها وتوقّع ردات فعل الخصم عليها.

الأولى: إقفال مطمر برج حمود. أهداف المبادرة المعلنة وقف صفقات «سوكلين» والتصدّي للكارثة البيئية على الشاطئ. ردة فعل «الخصم» كانت ترك النفايات على الطرق وأمام المنازل.

النتيجة: إنتقادات لخطوة الكتائب التي لم تملك الحلّ لوقف الكارثة، واضطرت بعد أسابيع من المعاناة الى العودة الى المربع الاول. كان يُفترض بالكتائب ان تتوقّع خطوة «سوكلين» هذه، فتعمد سواء الى عدم إقفال المكب، أو أن تُخطّط لردة فعل مواجهة تصعيدية تضع الكرة في ملعب «الخصم».

الثانية: سحب وزراء الكتائب الثلاثة من الحكومة. جاء ردّ وزير الإعلام رمزي جريج أنه ليس كتائبياً، وردّ وزير العمل سجعان قزي بالرفض لعدم اقتناعه بالقرار، وبقي وزير الاقتصاد ألان حكيم في موقعه يصرّف الأعمال.

فلا طرد الوزير قزي أثّر على هذا الأخير، ولا موافقة الوزير حكيم على قرار الحزب بدّل في الواقع. فلا الحزب ارتقب ردة فعل الوزراء، ولم تأتِ الخطوة بالنتائج المتوقّعة لها، وربما كان من الأفضل اتّخاذ خطوات عبر الوزراء داخل الحكومة.

الثالثة: الخروج عن شبه الإجماع المسيحي بإنتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. وهي خطوة لا تفتح الباب أمام خطوة أخرى كما تفترض استراتيجية الشطرنج. وهي خطوة مراوحة تكسب «الخصم» إمكانية التقدّم، كما تعني لاحقاً العودة عن هذه الخطوة لأنها لا تقود الى مكان.

في هذه الخطوات الثلاث، لم يبدُ سامي الجميّل لاعبَ شطرنج متمرّساً. بدا رجلاً مبدئياً يدافع عن مبادئه ولو خسر في السياسة. وهو يشدّد على ذلك لأنه يتمنّى أن تكون السياسة لعبة أخلاقية. فهو يرفض الدخول في ألاعيب السياسيين اللبنانيين.

غير أنّ مبادئه هذه تتعارض في وقت واحد مع قواعد الشطرنج ومع قواعد العمل السياسي. ففي الشطرنج يتحرّك اللاعب واضعاً الربح هدفاً أمام عينيه، ولا هدف آخر. كذلك في السياسة، فكلّ مبادئ العلوم السياسية تتبنّى المبدأ القائل إنّ هدف الحزب الأوّل هو الوصول الى السلطة ما يُتيح له تحقيق برنامجه السياسي.

وها هو العماد ميشال عون مثالاً ناصعاً لذلك، وما علينا سوى مراجعة مواقفه من «اتفاق الطائف» حين كان في المعارضة، أو موقفه من شرعيّة المجلس النيابي قبل انتخابه، لاستكشاف آليات العمل السياسية التكتية لتحقيق الهدف.

وهذا ليس حكراً لا على حزب «التيار الوطني الحر» ولا على السياسة في لبنان. فمبادئ التسويق السياسي التي تُدرَّس في جامعات العالم تقوم على مبدأ معرفة رغبات الناخب وتطلّعاته من أجل بناء مشروع يُرضيه وذلك بهدف كسب الانتخابات.

صحيحٌ أنّ سامي الجميّل يحمل في نفسه ثورة الشباب ضد كيفية ممارسة السياسة في لبنان التي أدّت الى انهيار الوطن وكانت من بين أسباب اندلاع الحرب، واستمرار هذه الممارسة يمنع البلد من النهوض ويتسبّب في تعميم الفساد وتحلّل الدولة.

وإن كان لا أحد يعارضه في رؤيته هذه، لكنّ هدفه الأوّل يجب أن يبقى الوصول الى السلطة، ما يتيح له القيام بالإصلاحات التي ينشدها. لذلك يجب أن يكون هدف الربح ماثلاً في كلّ خطوة في المسار السياسي، ولا بدّ من دراسة الخطوات وتحليلها انطلاقاً من مبادئ لعبة الشطرنج، بهدف تطويق «الخصم» وكسب المعركة.