لن يكون مشهد اليوم في فندق «لو رويال» غريباً على مخيّلة سامي الجميل. من اللحظة الأولى لعودته إلى البيت المركزي، خطط الشاب لأدق التفاصيل التي سترافق عملية التسلّم والتسليم. كان يعرف مسبقاً أن هذا التاريخ سيكون مفصلياً في مسيرته السياسية والحزبية، فعمل له جيداً.
وفق عارفيه، فإنّ سامي أنجز واجبه بالكامل قبل جلوسه على كرسي «العائلة». فعلياً، ليست جردة النضالات التي يفاخر بها، هي التي مهّدت له الطريق ليكون الرقم الأول في الحزب، وإنما أداؤه داخل البيت المركزي.
اشتغل على صورته جيداً، وأحاط نفسه بفريق عمل متخصّص متفرغ لمراقبة «النمل» في سيره، سواء أكان في الحكومة أم في مجلس النواب. حرص على لقاء أكبر شريحة من الكتائبيين والتواصل معهم ومتابعة شؤونهم كي لا يتهم بالإسقاط بالباراشوت، ونسج شبكة علاقات داخلية لا يُستهان بها.
في هذا المجال، يصعب على معارضيه حشره في زاوية التقصير أو «الاستلشاق»، وإن كان الإجماع حاضراً بين هؤلاء على فكرة واحدة: «… لو لم يكن نجل أمين الجميل».
مَن تابع أداء الشاب الكتائبي في الصيفي، باستطاعته سرد الكثير من الشواهد التي تعكس مقاربته «لليوم الكبير» وكيف أدار المرحلة التمهيدية بدقة متناهية. صحيح أنّه شغل منصب منسق اللجنة المركزية قبل تقديم استقالته، لكنه كان الممسك الفعلي للقرار في الحزب حتى لو كان أمين الجميل هو الرئيس.
أن يكون الابن هو صاحب التوقيع المالي في الحزب فهذا ليس تفصيلاً بسيطاً في مسار «الكتائب»، لا بل هذا يعني أنه ممسك بالعصب وقادر على التحكم بكل المفاصل التنظيمية. قانونياً، الرئيس هو صاحب صلاحية توقيع كل الشيكات الصادرة عن الهيئة المالية في الحزب، ولكن خلال الفترة الأخيرة كان سامي هو مَن يتولى هذا الأمر بتفويض من والده.
هكذا، سيكون يوم الأحد تتويجاً رسمياً وشرعياً لواقع صار عمره سنوات.
إذاً، حسب سامي حساب أدق الأمور، إلا تفصيلاً صغيراً، أن يُضطر الى انتظار فتح صناديق الاقتراع لتقبّل التهاني. أغلب الظن أنّه كان يعتقد أنه سيتسنى له دخول المؤتمر العام في يومه الأول رئيساً ليجلس إلى جانب والده كخلف مكرس بالتزكية. واذ بترشيح بيار عطالله يعيق له مخططاته.
على خلاف ما يُعتقد كثر، فإنّ ترشيح عطالله لم ينزل في حلق المحيطين بالرئيس العتيد بسهولة. كان يفضل هؤلاء لو يتقدم رئيس إقليم مرجعيون ـ حاصبيا بطلب سحب ترشيحه، فتقفل الصندوقة الخشبية قبل فتحها. وثمة في المقابل من كان متحمّساً لسيناريو التزكية على اعتبار أنّ معركة الأحد ستتوّج سامي رئيساً بالورقة والقلم بشهادة الكتائبيين ولن يجد من يصوّب عليه بسهم «التوريث».
عملياً، ليس ترشيح عطالله هو الذي كان يخيف سامي، مع أنّ بعض الكتائبيين المسحورين بآل الجميل كانوا يتمنون عدم المسّ بصورته الانتخابية، لكن الطعنيْن اللذين قدّما بشأن ترشحه، هما اللذان أثارا الإرباك في الصيفي.
لوهلة ما كُثر تساءلوا بينهم وبين أنفسهم: ماذا لو قبل الطعن ومنع سامي من الترشح؟ كيف سيتعامل الحزب مع هذا السيناريو؟ وما هي التداعيات؟
هنا، يتردّد أن كتائبيين اتصلوا بالمعارض ميشال جبور مقدّم أحد الطعنين، لإقناعه بالتراجع عن هذه الخطوة، قبل أن يمنح القضاء خشبة الخلاص لسامي بفصل ردّ الطعن، ليواجه يوم الأحد واثق الخطوات القانونية.
هكذا، ستتجه الأنظار يوم الاستحقاق الى مسألتين: الرقم الذي سيخرج به بيار عطالله من صندوقة الاقتراع، ومعركة المكتب السياسي ونيابة الرئيس.
في الأخيرة، يتبيّن حتى الآن أنّ مركز النائب الأول صار شبه محسوم لجوزيف أبو خليل الذي من المتوقع أنّ يمنحه معظم أعضاء المؤتمر أصواتهم احتراماً له ولتاريخه.
بينما تبدو المعركة جديّة حول مركز النائب الثاني الذي يتنافس عليه كل من سليم الصايغ وساسين ساسين وروكز زغيب، حيث من المرجح أنّ ينتظر سامي نتائج الصناديق لتهنئة الفائز، بمعنى أنّه لن يكون له كلمة مرجحة في أي من الترشيحات، لأكثر من اعتبار:
أولاً ، لن يكون الأمر لمصلحته اذا أخذ طرفاً مع مرشح ضد آخر في بداية انطلاقته الرئاسية، لا سيما أنّ الثلاثة ليسوا بعيدين عنه. ثانياً، لأنّ التأثير على المزاج الكتائبي في المؤتمر في مسألة الانتخابات الداخلية ليس سهلاً كما يعتقد البعض، وقد لا يتسنى لسامي امتياز تحقيقه. بمقدوره أن يمون على الأعضاء المتنيين، ولكن على البقية تصبح القضية أصعب بكثير.
ولكن يمكن للرئيس العتيد أن يسمّي في ما بعد من يريد لمركز الأمين العام الذي يشغله اليوم ميشال خوري، وهو أمر محتمل. يدرك الشاب أنّه لا يملك ترف الوقت لـ «يتكتك على رواق» في مشروعه الحزبي، وهو متأكد أن الجميع يقفون له بالمرصاد لا بل على الكوع.
لذا فهو مضطر لتحقيق خطوات سريعة تثبت جدّيته وقدرته على الإمساك بالحزب واقتياده الى الأمام، ولهذا سيحرص على تشكيل فريق عمل جديد يبث الحماسة في أذهان القاعدة.
ولأن مركز الأمين العام هو واحد من المفاصل الإدارية الأساسية في التركيبة الحزبية، فقد يستعين سامي بشخصية تسمح له أنّ يكون ممسكاً بمفاصل الحزب الإدارية. هكذا يُطرح اسم البير كوستانيان وباتريك ريشا وغيرهما من خارج الدائرة القريبة من سامي لتولي هذا المنصب.
مَن عمل مع الشاب صار مقتنعاً أنّه على الرغم من إحاطة نفسه بفريق عمل متشعّب، إلا أنّه لاعب منفرد في القرارات. مهما أدار أذنَيْه للمحيطين به وتكدّست أمامه النصائح، فهو لا يستمع إلا لصوته بعد أن يكون قد اطلع على كل شاردة وواردة، سواء أكانت من صنف القرارات الاستراتيجية أم أخبار آخر قسم كتائبي في عكار.