حقق النائب سامي الجميّل في جولته الأخيرة على قضاءَي زحلة والبقاع الغربي نجاحاً استثنائياً خلافاً لجولتي القبيات وغسطا، وذلك على مستويين: الأول شعبي والثاني سياسي، إذ أبى أن يبدأ زيارته إلا بمفاجأة سياسية لحلفائه أعلن فيها ضرورة الذهاب إلى «مؤتمر تأسيسي»، أو مؤتمر حوار وطني كما يطيب له تسميته
تحدّى النائب سامي الجميّل الظروف الأمنية هذه المرة. فلا المعلومات التي تحدثت عنها بعض المواقع الإلكترونية عن مخطط إرهابي لتفجير سيارة حالت دون إتمام زيارته لقضاء زحلة، ولا المعلومات عن نية جبهة النصرة استهداف شخصيات سياسية منعته من الاختلاط بـ «الزحالنة» والسير مشياً على الأقدام في شوارع المدينة. ظهر السبت الماضي، استتبع الجميّل خرقه الأمني بخرق سياسي يضع الكتائب جنباً إلى جنب حزب الله والتيار الوطني الحر.
فخلال حلقة الحوار التي أجراها في مسرح الكلية الشرقية، وردّاً على سؤال عمّا إذا كان النواب الممددون لأنفسهم محقين في التصويت للتمديد تفادياً للمثالثة والمؤتمر التأسيسي، دحض الجميّل هذه الحجج التي لا تبرر التمديد. وأشار إلى أنه «لا داعي لتخويف المسيحيين من المثالثة، لأنّ من المستحيل أن تمرّ إذا رفضناها»، فيما تساءل عمّا يمنع القوى السياسية من التحاور معاً ومناقشة مسألة تطوير النظام والعمل السياسي. كان «الشيخ» واضحاً في تأييده للمؤتمر التأسيسي، وقد عمد إلى وصفه بتسميات أخرى كالمؤتمر الوطني ومؤتمر الحوار، علّها تخفف من وقع كلمة «التأسيسي» على قوى 14 آذار التي دأبت على اتهام حزب الله والنائب ميشال عون بمحاولتهما أخذ البلد إليه. وكان واضحاً أيضاً في تشديده على ضرورة اجتماع كل الأحزاب السياسية تحت عنوان واحد: حلّ أزمة المجلس النيابي المشلول، حتى لو مدّد له، وحكومة الـ24 وزيراً المشلولة وفراغ رئاسة الجمهورية؛ لأن البديل من التوصل إلى صيغة جديدة تنعش الحياة السياسية والبلد هو حرب شوارع.
ما كاد الجميّل يرمي أول قنبلة في اتجاه حلفائه ونواب زحلة في القوات اللبنانية الجالسين بين الحضور، حتى باغتهم بأخرى متوجهاً إلى الكتائبيين بصيغة الأمر الحزبي ليُسمع الآخرين. فانطلق من «إطار الوحدة المسيحية» ليحثّ المسؤولين في الحزب على معاملة الخصم المسيحي كالحليف ووقف التعامل معه وفق الانقسامات السياسية: «ما يسمى بفريقي 8 و14 آذار انتهيا ونحن على أبواب مرحلة جديدة تخدم قضيتنا وسعينا وراء تطبيق اللامركزية الإدارية». لذلك دعا «الفتى الكتائبي الأصيل»، كما وصفته لافتة حزب القوات في زحلة، إلى إنهاء حالات الخصومات ضمن الأحياء والبلدات والبقاء على مسافة واحدة من الجميع.
دعا الجميّل
الحزبيين إلى مساواة الخصوم المسيحيين بالحلفاء
في النقطة الثانية من الخطاب، ركّز على ضرورة «الانفتاح على المسلمين وتضافر الجهود للوقوف في وجه التطرف». وعقب انتهائه من اللقاء الذي تغيّب عنه رئيس البلدية المحسوب على الكتلة الشعبية، انتقل الجميّل إلى أوتيل القادري بعد أن بدأ جولته من نصب الشهداء ليكملها سيراً على الأقدام نحو إقليم زحلة حيث كانت الجموع في استقباله. وما هي الا لحظات حتى غصّت قاعة الفندق بالزحالنة لتبدأ مجدداً حلقة حوار أخرى. عند الحادية عشرة والنصف ليلاً، تسلل الجميّل من بين الحضور إلى خارج الفندق بعد 4 ساعات من النقاشات المتتالية، مفضلاً سندويش «روستو» من مطعم «أدونيس» على «حمص وفول وتبولة» أوتيل القادري.
استعاد الجميّل نهار الأحد مجريات أحداث النهار السابق عبر تكراره الكلمة نفسها أمام الأقسام الخمسة التي زارها في وادي العرايش، حوش الامراء، حيّ السيدة، المعلقة وحوش الزراعنة. وفي الوقت الذي خلت فيه «جولة اليومين» من أي لقاءات سياسية غير حزبية، أنهى «الشيخ سامي» زيارته بتلبية دعوة مطران زحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك عصام درويش إلى الغداء، رغم علاقة النائب إيلي ماروني غير المستقرة به. المحطة الأخيرة كانت في بلدة خربة قنافار في البقاع الغربي، حيث أعاد هناك أيضاً تكرار الكلمة نفسها على مسمع الكتائبيين.
خلافاً لزيارتي القبيات وغسطا، يجزم خصوم النائب وأصدقاؤه بأن الجولة حققت نجاحاً كبيراً، إن من حيث «جرأته في التنقل بين الأهالي، أو من حيث الحشد الذي واكبه حتى انتهاء مهمته». وقد حرص هذه المرة على «تكثيف تفاعله مع الحزبيين، فخصهم بنحو 15 ساعة من النقاشات وبيومين لا يوم على غرار جولاته الأخرى». في موازاة نجاح سامي في زحلة، نجاح آخر حققه منظم الزيارة رئيس الإقليم الكتائبي رولان خزاقة، في امتحانه الحقيقي الأول على الأرض بعد تعيينه، «على المستوى الشعبي وعلى مستوى التنظيم وترتيب المواعيد». أما النقاط السلبية أو «لمزيد من النجاح»، يعقب أحد أعضاء المكتب السياسي، «فكان من المفترض للحاضرين في مسرح الكلية الشرقية أن يتفاعلوا أكثر مع كلمة سامي الاستثنائية ويشكلوا مرآة لأفكاره». غير أن الأجواء المتوترة دائماً بين «الكتائب والتيار الوطني الحر حالت دون فهم الحزبيين لمغزى كلام سامي حين دعاهم إلى إنهاء المناكفات والتعاون. فلا قدرة فعلية لهؤلاء على مصالحة خصومهم المسيحيين، خصوصاً الكتلة الشعبية التي يرأسها النائب السابق إيلي سكاف، إذا لم تكن هذه المصالحة رسمية وعلنية ومنظمة بين جميع الأطراف». ويشير الكتائبي هنا إلى أن «عدة مساعٍ حصلت بين الكتائب والكتلة الشعبية مثلاً لإنهاء المشكلة بينهما، إلا أن هذه المساعي لم تكن مدعومة من المعنيين بالشكل اللازم». وبرأيه، «لا قدرة للوسطاء بين الحزبين على الحسم، الأمر يحتاج إلى تدخل الكنيسة أو المرجعية الدينية الرئيسية في زحلة الممثلة بالمطران درويش، على غرار ما فعلت بكركي مع النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع». علماً أن درويش تمكن منذ فترة من تحقيق خرق جدّي في العلاقة بين الكتائب والكتلة للمرة الأولى عبر اللقاءات الحزبية الدورية التي ينظمها في المطرانية كل شهر، حيث نجح في كسر الجليد بين رئيس إقليم زحلة الكتائبي والمنسق العام في الكتلة وجمعهما حول طاولة واحدة. أما على صعيد التيار الوطني الحر، «فعلاقة الكتائب به متقدمة جداً، وقد دار حديث بين النائب الجميّل ومسؤولي التيار قبيل الزيارة بشأن حضور العونيين إلى مسرح الكلية، انتهت بالاتفاق على تأجيل هذا الأمر إلى حين عقد مصالحة وطنية فعلية تفادياً لأي حساسيات بين حزبيي الطرفين».