وأخيراً قَذَفَها سامي الجميل، عندما هبطت الى مستوى الخُطَى، وأصبحت الكراسي مطمراً للحقّ الوطني والحق الشعبي والحق الوجودي، وأصبح الجلوس عليها كمن يأْلَف تنشُّقَ الروائح ويبحث بين النفايات عن أقراص العسل.
وحدَهُمْ الذين يُصبحون أكبر من الكراسي هم الذين يَرْفسونها… وسامي الجميل رئيس للحزب الذي انطلق في الأساس من رحِمِ الجماهير صعوداً الى السلطة ولم يهبط من السلطة على الشعب بالمظلات الفوقية، فبرزت كل مواقف الرئيس الشاب حراكاً شعبياً وعراكاً مع الحكومة على أساس أن السلطة هي في خدمة الشعب وليس الشعب سلعةً في خدمة السلطة.
نجح سامي الجميل في صَقْل نفسه واستطاع أن يحقق ذاته القيادية بذاته الشخصية وليس بفضل الأقنوم الثالث في الشعار الكتائبي: الله والوطن والعائلة، بل أطلق هو شعاره الخاص: الله ولبنان… «وبَسْ».
أليس أن هذه الحكومة العجائبية قد استمرت وليّاً للعهد بأربعة وعشرين رأساً متناطحاً، لأنّ رئاسة الجمهورية كتبتها الآلهة على إسم شخص «وبَسْ» ولا مجال لمخالفة القرار الإلهي؟
لعل الذنب يقع على مبالغة في حراراة التعظيم والتفخيم حين يرفع المحازبون أصواتهم صارخين أمام رئيسهم تَأْليهاً: الله ولبنان… وأنت… «وبسْ».
وهذا يعني أن هناك ثلاثة أقانيم في إله واحد، وكل أقنوم هو مساوٍ للآخر، وأن الوجود كلّه مرتبط بهذه الأقانيم الثلاثة: ومَنْ هُمْ ليسوا: الله لبنان وهذا الزعيم، فليذهبوا جميعاً الى الجحيم.
الشعب عندنا يذهب الى الجحيم والحكومة تنعم في «جنّةٍ» تجري من تحتها الأنهار، وهي ماضية في قراءة الفصول الأربعة من كتاب «رسائل شيطانية»: وفيه يوجِّه شيطانٌ كبير نصيحةً الى شيطان صغير.
شعبٌ تائِهٌ والِهٌ معذّبٌ جائعٌ مفجوعٌ موجوعٌ منذورٌ لوحوش الرعب، يحتاج الى منقذٍ لا يستعمل القنابل الصوتية.
ووطن غارق في بحور الفواجع، بات مصلوباً فوق جلجلة الفراغات المطلقة، إلا إذا خضع المؤمنون للإقنوم الثالث في الثالوث المقدس.
والأمة التي هيمنت على البحرَيْنِ والبرَّين، مات نبيّها ولم تتعطل فيها الدولة ولم تشغر بعده الخلافة.
عندنا… يرحل النبي مشفوعاً بقول: لا نبيَّ بعدي، وتظل الأمة معطلة والخلافة شاغرة ومرهونة لمن يدّعون النبوَّة.
في الإنتخابات النيابية السابقة، أجمع المسيحيون والموارنة تحديداً على معاقبة أحزابهم بما يشبه الثورة الجارفة.
وفي الإنتخابات البلدية كانت هناك ثورة على الثورة فقرر اللبنانيون أن يعاقبوا الصنمية الحزبية… لأن صانع الأصنام لا يعبدها.
ولأن صوت الشعب هو من صوت الله، فقد بات الشعب اليوم يتلاقى مع سامي الجميل: الله ولبنان… «وبَسْ».